كيف لنا تفهم وإدراك لغة الألوان في حياتنا >>>
نحو عالم أفضل
من أول الملاحظات التي تلفت الانتباه حول الألوان : لماذا يتميز النبات والكلوروفيل بلونه الأخضر ، ويتميز الدم بلونه الأحمر؟ والغريب أن اللونين هما لونان متكاملان ، بمعنى أن مزج ذبذبات اللون الأخضر والأحمر معًا ينتج اللون الأبيض لإشعاعات الشمس . يبقى العلم عاجزًا عن هذه الإجابات . لقد درس العلم بإسهاب فائدة اللون الأخضر للكلوروفيل ودوره الرئيسي في الاستقلاب الضوئي والحياة ، لكن الباحثين حول اللون الأحمر للدم لم يصلوا عمليًا إلى أي تفسير جوهري
هناك حكمة أزلية في الطبيعة لمستها الحضارات والأديان من زوايا مختلفة ، حيث هناك أهمية ورمزية للألوان في الحضارات والأديان المختلفة . كل هذا يجعلنا نفكر مليًّا في نظريات علم النفس حول الأنماط البدئية . فهل الألوان المختلفة ، والأرقام المختلفة ، ونوطات السلم الموسيقي المختلفة ، والعناصر الكيماوية والطبائع النفسية والجنسية المختلفة ؛ هي تعبير فيزيائي عن أنماط بدئية أساسية في المستويات أو العوالم الأعلى ؟
هل هناك فعلاً لاوعي جمعي حسب المحللين النفسيين ، أو روح كونية حسب الخيميائيين ، أو وعي كوني حسب علماء الفيزياء والديانات الشرقية ، يتخلل كل ما في الكون من أشجار وأشنيات وطحالب وحيوانات وجماد الخ ، وأن النفس هي إحدى تعبيرات هذه الروح الكونية ؟ وأن الإنسان يحتوي في داخله - إذا عرف كيف يبحث عنها - كل الاكتشافات التي وضعها نيوتن أو باستور أو غيرهم ؟ هل هذه الوحدة الكونية تعبر عن نفسها من خلال ثنائية أزلية ، أو توازن لقوى متضادة أسماها الصينيون الين واليانغ ؟ تلك الوحدة والثنائية ترفعان الستار الأسطوري عن الثالوث الذي تحدثت عنه أديان مختلفة مذكرة إيانا بفيثاغورس والفلسفة الأزلية .
الألوان تبدو لنا كعلامات على مدخل كوني ، فالألوان تعبّر عن نمط بدئي للجوهر الأحمر مثلاً أو الجوهر الأزرق في العالم النفسي ، والذي يشكل الركيزة للعالم الفيزيائي . والرموز هي الأنماط البدئية ، أما الألوان والأصوات والروائح والأحلام والأشكال الهندسية وحتّى الأفكار ليست سوى تظاهرات لهذه الأنماط البدئية . فالسعادة والألم ليست إلا تحركات ، الأولى تشير إلى الامتلاء والثانية إلى الفراغ . وقد اعتبر قوس قزح يومًا ما على أنه جسر بين السماء والأرض . الألوان هي نوع من اللغة والتعبير لهذه الروح الكونية . إنها مفتاح يسمح لنا بفتح أسرار أزلية وباكتشاف الهوَ المندثرة تحت الأنا Ego. إن ميتافيزيقيا الألوان هي ملتقى المحللين النفسيين مع الشعراء ، وهي التي تسمح للواحد فيهما أن يفهم الآخر ، وهي تسمح بلم شمل إنساني من الصعب تخيل الحياة من دونه .
مبدأ الثنائية ومبدأ الثالوث
لقد ذكرت معظم الحضارات هذين المبدأين بنسب وأهمية مختلفة ، ولكن اتفقت كلها على وجود هذين المبدأين . ركّز الصينيون والزردشتيون (وبالتالي الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام) على أولوية مبدأ الثنائية ، واعتبروها أساس الخير والشر ، أو الجنة وجهنم . قال الصينيون إن هناك مصدرًا أو طاقة إلهية بدئية ، والتي هي مصدر كل شيء مرئي وغير مرئي في هذا الكون . عندما تبدأ هذه الطاقة الخلاّقة بأخذ طابع ما ، يظهر قطبان تعبيريان يعطيان كل الثنائيات الموجودة في العالم . يطلق على هذين القطبين أو الثنائية ، أسماء مختلفة فقد نسميهما: 1- الروح أو الأب أو اليانغ. 2- المادة أو الأم Matter or Mother أو الين . من امتزاج الأب والأم ينجم الابن أو النفس . من الواحد نشأ الاثنان ، ومن الاثنين نشأ الثلاثة ، والثلاثة معًا تمثل الواحد . جوهر اليانغ يتظاهر بالإيجابية والذكورة والسيطرة والحركة النابذة والمنطق ، ويعبر عن رغبة التكوين والتوسع وبالتالي النمو ؛ بينما يتظاهر جوهر الأم أو الين بالسلبية والأنوثة والاستقبال والحركة الجاذبة والإرهاف في الإحساس والرعاية ، وتعبر عن حكمة التركيز وجلب الأضداد معًا من أجل رعاية بذور الخالق من أجل ولادة جديدة واستمرار الحياة . يحصل اتحادهما من خلال قوة الانجذاب أو المحبة وينجم الابن أو النفس ، والمحبة توحّد وتؤدي إلى زوال العزلة . إن طاقة الإرادة طاقة كهربائية إيجابية أو سلبية ، أما المحبة فهي طاقة مغناطيسية تجذب الأب نحو الأم ، أو الذكورة نحو الأنوثة ، أو اليانغ نحو الين وبالعكس ؛ ومن اجتماع المحبة مع الإرادة تتولد طاقة كهرطيسية .
أما الحضارة الهندية ، ومعظم حضارات الشرق الأوسط القديمة بما فيها الديانة المسيحية واليونان ، فقد ركّزت على أولوية مبدأ الثالوث Trinity ، فافترضت وجود مجال شامل إلهي من النقاوة الخالصة والغير متغيرة . وأنه لما كانت طبيعة الحقل الموحّد وعي نقي كامل ، فمن الطبيعي أن يكون واعيًا مدركًا ، ولمن ليس عنده إلا نفسه ليدركه وهو لا يمكن أن يلجم نفسه عن معرفة نفسه . وبهذا يكون الوعي وحده مدركًا لنفسه ، وتعود مرجعيته دائمًا إليها . وهنا نجد أنه بشكل أوتوماتيكي يصبح الوعي اللامنقسم ثلاثية تعددية هي المدرِك knower ، المدرَك Known والمنهج الإدراكي Process of knowing ؛ أو المشاهِد Observer ، المشاهَد Observed، ومنهج المشاهدة Process of observation. يصبح الوعي هو الفاعل والموضوع والارتباط بينهما ، ويكون بنفس الوقت الواحد والثالوث .
الوحدة ، أو السامهيتا بالسنكريتية ، تتناوب في التحول إلى ثلاثية الـRishi والديفاتا والتشهانداس ، والعودة إلى الوحدة من جديد ، والعودة إلى الثالوث ، والتي هي بالحقيقة طيف من الوحدة ، والعودة من جديد إلى الوحدة من خلال ما يسمى بالتواتر اللانهائي Infinite Frequency. هذا التأرجح بين الوحدة والثلاثية يحمل ديناميكية خلاقة ورائعة لمجال كان صامتًا بشكل مطلق ، وهنا تبدأ تنوعات الخلق والتكوين ، وتتحول الوحدة والتفرّد للوعي النقي إلى تنوع رائع ، ويتحول صمت الوعي النقي إلى ديناميكية خلاقة . لقد استُنِد في النهاية على فكرة المدرِك والمدرَك والمنهج الإدراكي في مبدأ الثالوث المقدَّس المسيحي الآب والابن والروح القدس . بمجرّد أن نطق الله كلمة الخلق في الفضاء اللامتناهي ، ظهرت الازدواجية الأولى : الله وعملية الخلق ، ولكن بمجرّد القيام بعملية الخلق تكوّن المخلوق أو الابن ، فهنا نرى أن مبدأ الازدواجية والتثليث حدثا في نفس الوقت . من هذين المبدئين نشأت في النهاية الأربعة عناصر والفصول ، والخمسة والستة والسبعة - وهو رقم الكمال الأرضي-، والاثنا عشر - وهو رقم الكمال الكوني-، والأرقام الأخرى .
طلالة الألوان
كل عملية تكوين أو خلق تحتاج إلى إرادة تأمر ، محبة أو عاطفة أو دافع لتبارك ، وعقل لينفّذ . شاء الخالق فأوجد من كيانه ، أي من نوره ، كونًا ، وهذا الكون تكوّن على عدة مستويات ، فكان المستوى الروحي ، وكان المستوى العقلي ، وكان المستوى العاطفي أو الكوكبي - باختلاف التسميات -، والمستوى الأثيري الطاقي والمستوى المادي . كلّما نزلنا درجة أو مستوى ازدادت كثافة الطاقة وقلّت ذبذبتها إلى أن تحولت إلى مادة . كان على طاقة التكوين هذه أن ترتدي جسدًا أو كيانًا من المستوى الذي انخفضت إليه ، لأنها لم تعد بنفس حالة الصفاء والنور النقي الذي كانت فيه ، وهذا الجسد هو الألوان . كلما كان المستوى أعلى كلما كان اللون أكثر شفافية ونورانيّة ، وكلما كان المستوى أخفض كلما كان اللون أكثر كثافة . أخذت الإرادة الإلهية (الآب) لها طليعة اللون الأحمر الأرجواني (الذي لا يرى طبعًا بالعين المجرّدة)، وأخذت المحبّة الإلهية (الروح القدس) طليعة اللون الأزرق النوراني جسدًا لها ، وأخذ العقل الكلّي طليعة اللون الأصفر رداء له .
كأنما النور الإلهي الحقيقي الخالص انطلق من وراء الشمس شعاعًا نورانيًّا صافيًا ، لكنه يحوي سائر الألوان في ذاته ، أو هي كامنة في أعماقه بالقوّة . ما إن فاض هذا النور أو دخل النظام الشمسي حتى تثلّث ، أو تحلّل إلى ثلاثة أشعة كونية في لمحة أبدية . وكأن مروره الخاطف عبر الازدواجية ، جاء ليثبت أن الازدواجية كامنة في النور بالقوّة ، وفي الأشعة الثلاثة بالفعل . وكما تقول العلوم الشرقية ، خاصة الهندية ، عن التواتر اللانهائي بين الوحدة والثالوث ، حدث هذا باستمرار مع الألوان . فالنور الحقيقي الخالص الذي بقي لبرهة محافظًا على وجوده الأحادي أثناء انعكاسه في الطبقات الأدنى ، اتخذ اللون النيلي رمزًا له ، والألوان الثلاثة - وبما أن الازدواجية كامنة فيها بالقوة - ازدوجت وانعكست في ثلاثة ألوان أخرى كانت أقل نورانية بسبب هبوطها إلى مستوى أخفض هو المستوى الروحي ، وبالتالي أكثر كثافة ، فتحول الأحمر الأرجواني إلى قرمزي ، والأزرق النوراني إلى أزرق سماوي ، والأصفر النوراني إلى أصفر شمسي أو ذهبي ؛ وبالتالي تكون ثالوث جديد روحي . ومع الهبوط أكثر إلى المستوى المادّي ، ومع قابلية المزج الهائلة ، امتزج الأحمر مع الأصفر ليعطي البرتقالي ، والأزرق مع الأحمر ليولّد البنفسجي ، والأصفر مع الأزرق لينبثق الأخضر . أما اللون النيلي ، صلة الوصل بين الأشعة اللونيّة الأصيلة والثالوث الروحي ، فهو حاصل اندماج الألوان الثلاثة الأساسيّة - الأحمر والأزرق والأصفر معًا -، أو اتحاد ثالوث الألوان في الطبقات الروحية والمادية على أنواعها . وبما أن الكيان المادّي في عالم الأرض لا يكتمل كلّيًا إلا بالعدد 12، كان لا بدّ أن تظهر خمسة ألوان جديدة هي الزهري ، الفضّي ، البنّي ، الترابي ، والـMauve أي البنفسجي الضارب إلى الزهري .
من هنا ظهرت ثلاث مراتب من الكمال التي يتوجب على الإنسان بلوغها للوصول إلى الاتحاد في قلب اللّه : كمال مادي عبر الثالوث المادّي ، وكمال روحي عبر الثالوث الروحي ، وكمال إلهي عبر الثالوث الإلهي ؛ فالوعي المادّي لا يكتسب من خلال وعي الثالوث المادّي فحسب ، بل من خلال وعي أصل هذه الألوان السبعة عبر رموزها ، والكمال الروحي يتم عن طريق اكتمال خصائص الألوان السبعة في الثالوث الروحي وفي وحدة النور .
وجدت الألوان أو الذبذبات اللونية مع بدء الوجود ، فلا وجود دون ألوان ولا ألوان دون وجود ، لأنها دليل على كينونة ما ، بل هي تجسيد ذلك الشيء في ذبذبات مادية . الألوان هي تجسيد للذبذبات ، أي تفسر مكنوناتها ماديًا . حين خلق الله الكون ، انطلقت منه ذبذبات إلهية وانتشرت في كل اتجاه ، لكنها تذبذبت بسرعات مختلفة ، فعندما تسارعت بالتبذبذب تكون كون لا منظور ، وحين تباطأت تشكّل كون أو كلّ منظور .
الذرات هي طاقة الحياة التي لا لون لها في الفضاء الخارجي ، لكن حين وصلت تلك الطاقة إلى محيط الأرض ، أي دخلت نطاق المادة ، كان لا بدّ لها أن ترتدي ثوبًا يتلاءم وطبيعتها ، فكما أن ذرات الأوكسجين أو الهيدروجين مثلاً يستحيل عليها التواجد في الطبيعة بشكلها الأحادي ، بل يجب أن تكون بشكلها الثنائي ، كذلك فوتونات الضوء لا يمكنها أن تظهر في عالم المادة بنورانيتها وشفافيتها الروحية ، فلا بدّ أن تكتسب كساء أو جسدًا لها ، وكانت أن اختارت الألوان رداء لها ؛ فالألوان هي جسد الذبذبات بل جسد الحياة ، فلا حياة دون ألوان ولا ألوان دون حياة . إن إهمال الإنسان للألوان لا يعني عدم وجودها ، لكنه في البدء لم يدركها ، ولكن شيئًا فشيئًا بدأت تتسلل إلى حياته العملية ، وظهرت بادئ ذي بدء في ممارسة الطقوس الدينية وخاصة اللون الأحمر القرمزي والأصفر الفاتح والأزرق السماوي ، ثم صارت الألوان تستخدم لطلاء المعابد والهياكل المقدسة ، وصار لكل لون رمز ومرتبة ، فكان اللون البنفسجي والأحمر الأرجواني حكرًا على الملوك والأمراء في بلاد ما بين النهرين ، أما الأخضر والأصفر والقرمزي والأزرق فكانت خاصة بالكهنة والمعابد ، وكان البرتقالي اللون المميّز للأطباء والعلماء ، واللون النيلي خاص بالقضاة والمحامين ، أما البنّي والرمادي وغير ذلك من الألوان القاتمة فخاصة بعامة الشعب .
دخلت الألوان بعد ذلك في طلاء المنازل والمفروشات ، أي اعتمدها عامة الشعب . بلغ شغف الشعب بالألوان درجة كبيرة فصار الأحمر الصارخ يدلّ على القتال ، والأصفر الداكن يدلّ على الغضب والحقد ، أما الأخضر فيشير إلى السلام ، والأزرق إلى طيب المودّة وصفاء النيّة ، والأبيض إلى السلام . استخدمت الألوان كوسيلة شفائية عند كهنة ما بين النهرين والإغريق ومصر القديمة من خلال ما لها من تأثير مغناطيسي على الجسد ، أو على الأجسام الباطنية غير المنظورة .
ماهيّة الألوان
وجدت الألوان منذ بدء الخليقة ، وكانت ذبذباتها موجودة أصلاً قبل خلق الإنسان ، وبالتحديد منذ باشرت الروح الإنسانية هبوطها وتدرجها عبر طبقات الوعي العليا أو مستويات الوجود الحياتي التي تعتبر الأرض أكثفها... لتتجسّد في عالم المادة . الألوان هي ذبذبات الوعي - كما تشرح علوم الايزوتيريك -، فاللون لا يدل على حاجات أو أشياء ملموسة ، بل يرمز إلى مستوى وعي أو إلى ميزة معيّنة ( لا يعني طبعًا اللون الأزرق للحائط درجة وعي الحائط ، ولكنه يستثير معاني الهدوء والمحبة في الإنسان ، وهذا هو المقصود ). المقصود بكلمة لون في العرف الباطني هو تلك الذبذبة التي تحمل اللون أصلاً ، أي معنى اللون . وهذه الذبذبة ليست مرئية إلا لمن تفتّح لديه البصر الداخلي أو العين الثالثة ليستشف الذبذبات وألوانها على طبيعتها .
ولكل لون رمز لأنه يجسّد وجودًا معيّنًا ، فالنور الإلهي الحقيقي الصافي الخالص هو رمز وجود الإله الواحد الذي بثّ الحياة في رمز الوجود وخلق الكون . تظهر الألوان أيضًا في الأجسام الباطنية للإنسان ، التي هي فعلاً طاقة الحياة والحيوية والوجود في الكائن البشري ، فهذه الأجسام مكوّنة من ذبذبات وعي ، ولكل جسم درجة وعي معيّنة ، كما أن لكل درجة من درجات الوعي لونًا يمّيزها عن سواها . الأمر الذي يفسّر أن كل جسم باطني يحوي جميع الألوان ، لكنّه يتميّز بلون واحد طاغ على الجميع .
ومن جهة أخرى هناك درجات أو تدرّجات في اللون الواحد ، وهذا ما يميّز وعي الجسم الباطني الذي يحوي ذلك اللون من الأجسام الأخرى . فاللون الأزرق مثلاً لديه عدة تدرّجات تتراوح بين الأزرق الفاتح والسماوي والنيلي والفيروزي والقاتم والأزرق المتدرّج في الأخضر الداكن . جميع هذه الألوان تعتبر درجات في اللون الأزرق ، ولكن اختلافها يرمز إلى درجة الوعي أو الصفة التي يجسّدها هذا اللون في الجسم الباطني . فكلّما شفّ اللون دلّ على درجة وعي أسمى ، والعكس بالعكس ، فاللون الأزرق مثلاً في الجسم الكوكبي أكثف من الأزرق في الجسم العقلي .
الألوان الباردة
في البدء عليّ أن أذكر أنه في علم الرموز كثيرًا ما تظهر بعض الأفكار متعارضة مع بعضها في حال لم نعد إلى الأنماط البدئية Archetypes التي تشرحها ، وهذا ينطبق على الألوان ، فقد يظهر اللون الأزرق مثلاً ذو علاقة تارة باللون الأبيض (سموّ الألوان) وطورًا بالأسود (فناء الألوان) ما لم نحاول رؤية المحتوى الذي ورد فيه ودرجة اللون . فاللون الأزرق السماوي أقرب للأبيض ، أما الكحلي فهو أقرب للأسود. والرداء الأزرق الفاتح هو رداء مريم العذراء ، أما الأزرق الغامق والكحلي فهو رداء الحداد والحزن . حسب الرمز المعروف باليانغ والين عند الصينيين وشعوب شرق آسيا فإن الذكورة أو اليانغ تتمثّل بطاقة نابذة تسعى نحو التوسّع والخارج وإطلاق الطاقة والنموّ وتتمثّل باللون الأبيض ، وفي المقابل فإن المبدأ الأنثوي أو الين يتمثّل بالاستقبال والحضن والطاقة الجاذبة من أجل اختمار بذور الخالق لنموّها من جديد ، وتتمثّل باللون الأسود . لكن علينا ألا ننسى أن في داخل كل واحدة دائرة صغيرة من اللون الآخر تعني الاستعداد الدائم لتحوّل الواحدة للأخرى ، وكذلك التقاء كل واحدة بالأخرى باستمرار وتداخلهما يعني نفس الشيء . وُضِع اللون الأزرق الأنثوي بدل الأبيض في بعض المناطق ، ووضع اللون الأحمر الذكري بدل الأسود (وفي مناطق أخرى ، وضع الأحمر بدل الأبيض والأزرق بدل الأسود)، فهل هذا يغيّر الحقيقة الأصليّة ؟ لا طبعًا ، لأنه كما سنرى ، فإن اللون الأحمر الذكري يسعى نحو الأسود ، والأزرق الأنثوي قريب جدًا في معانيه للأبيض ، ولكنّه أحيانًا رُبِط بالأسود . ففي النهاية يوجد مبادئ أو أنماط بدئية أساسية تتجاوز الزمان والمكان ، ولكن بمحاولتنا إعطائها تطبيقات محدودة زمنيًا ومكانيًا وتحليلها عقليًا ، تختلط علينا الصورة الكلّية الهولوغرافيّة .
لاحظ المحلّل النفسي Carl Jung أن معظم الحضارات لم يكن لها في البداية غير إلهين أحدهما ذكري والثاني أنثوي ، وفقط لونين: الأول أحمر- أصفر، والثاني أزرق- أخضر، وأنه في كثير من الحضارات كان الحرف م أو M يدخل في المفاهيم الأنثوية ، والحرف ب أو B أو P يدخل في المفاهيم الأنثوية .
اللون الأخضر
إنه اللون الغالب للنباتات وأحيانًا للماء والمستنقعات والبحيرات والبحر . أثبتت التجارب أن لون الماء أكثر زرقة منه خضرة ، ولكن رمزيًا ، أعطي الماء اللون الأزرق والأخضر والأسود . اللون الأخضر هو لون الحياة من خلال الكلوروفيل ودوره الأساسي في دورة الحياة . تستعمل الأوراق الطاقة الشمسية في عملية الاستقلاب الضوئي . أي لون ؟ إن اللون الأحمر هو ما يستعمل بالدرجة الأولى لأنه اللون الأكثر حرارة ، ولأن الأحمر هو اللون النظير أو المتمّم للأخضر، فلون الجسم يحدث من امتصاصه الألوان الأخرى وإصداره ذلك اللون، اللون المتمّم للون الجسم هو الذي يحدِث التفاعلات الكيماوية في هذا الجسم . إن غياب الكلوروفيل يحكم على كل الحياة الأرضية بالفناء والاختناق ، كما يتيح الكلوروفيل وجود الكائنات الأعلى من حيوانات وغيرها والتي لا تستطيع من خلال المعادن وغاز الكربون والطاقة تكوين المركبات الأعقد .
إن نسبة الماء للون الأخضر بديهية ، فالأخضر هو نظير الأحمر ، كما أن الماء نظير النار ، وكلنا يعرف أن الرطوبة تؤثّر على الكلوروفيل ، فالأوراق تكون أكثر خضرة وبريقًا في الأجواء الأكثر رطوبة . المزج الضوئي للأخضر والأحمر يولّدان من جديد الضوء الأبيض للشمس أو الوحدة . إن النبات من خلال اللون الأخضر يقوم بأخذ الطاقة من الشمس (أو رمزيًا يجذب الشمس نحو الداخل من أجل استعمالها من قبل الخلايا والتي قلّما تختلف الواحدة عن الأخرى ، أو نقولها بطريقة أخرى إن النظام الهرمي والتخصصي عند النبات يكون في أدناه) إذ تلعب كل خلية تقريبًا دورًا مستقلاً ، فالأغصان في الشجرة لا تنمو بشكل متناظر ، وأية قطعة من النبات تستطيع إنماء نبات كامل من جديد . مع قلب هذا النظام من جاذب وآخذ للطاقة إلى نابذ ومولّد للطاقة ، من عدم الحركة إلى الحركة ، من اللون الأخضر إلى الأحمر ، استطاعت الحيوانات الأعلى والتي يترأسها الإنسان التغلّب على هذه الفرديّة وكوّنت جهازًا مركزيًا مترأسًا من قبل الجهاز العصبي ، وأصبح كل عضو يقوم بمهمّات محدّدة تمامًا ، وازداد الوعي والحساسيّة وكل الوظائف المنوطة باللون الأحمر .
لقد كُرّس اللون الأخضر والأسود للإلهة فينوس أو أفروديت اللتين ولدتا في الماء . إنهما رمز الجانب الأنثوي للطبيعة ، الأم والمرضع ، المعطية للمحبّة ، وهي القاعدة الأساسيّة ولكل الكائنات الحيّة . ينمو الجنين داخل الماء الأمنيوسي ، وقد تكلّمت الأديان دائمًا عن المياه التي غمرت الكون في البدء ، والتي أعطيت اللون الأسود (ولكن للون الأخضر علاقة وثيقة بالأسود والاثنان ألوان باردة ). اللون الأسود يذكّرنا بالليل والولادة للإنسان والكائنات والكون برمّته . يقول أورفيوس :
أغنّي الليل ، الليل هو أم الآلهة والإنسان . الليل هو أصل كل المخلوقات وهو ما نسمّيه فينوس .
يعرف المحلّلون النفسيّون أن الماء يرمز للأم واللاوعي ، وأن اللاوعي هو القاعدة التي ينشأ منها الوعي والذي كثيرًا ما يظهر في الأحلام على شكل البحر . إن الحرف M أو μ باليونانية بشكله المتموّج ولفظه يحمل في طيّاته طبيعة تموّجية ، وبالتالي يعبّر عن مفهوم بدئي أنثوي مائي تموّجي ، وأن لفظ MA الذي يعني السائل الكوني يبدأ بهذا الحرف ، وأن كلمة Movement بالإنكليزية وغيرها تبدآن بهذا الحرف . ومعظم تسميات الأم تبدأ بهذا الحرف . إن الحيّة مع حركاتها التموّجية كثيرًا ما رُبطت بالحكمة والسائل الكوني وفكرة الأنوثة . إن برج الدلو يعبّر عن فكرة السائل الكوني . إن الكلمة العبرية Nachash نحاس تعني النحاس بأملاحه الخضراء ( بينما الحديد طبعًا بأملاحه الحمراء ) وتعني أيضًا الحيّة ، النحاس ولاحقًا البرونز لهما مفهوم أنثوي ، مفهوم العالم السفلي ، مفهوم الرحم الذي خرجت منه الحياة .
ما أول ما ينطق به الطفل ؟ ما MA. ألا نجدها في الكلمة اللاتينية MAMA والتي تعني الأم والمرضع . ألا نجدها في أم، Mère، Madre، Mother، Mommy، Maman، وMaderالفارسية. ألا نجدها في كلمة مادّة بالعربية وMatter، Matière، وكلمة Magia، Maïa، Maria والدة الإله ؟ وأيضًا في كلمة Mare، Mer أي البحر؟ إن كلمة Miriam بالعبرية تعني مريم وتعني البحر . ما أول شيء نطقه الإله عندما خلق الكون حسب كتب الفيدا ؟ إنه لفظ OM (لنرى التقارب مع كلمة أمّ بالعربية). أليست كلمة آمين - والتي ليس لها أي معنى لغوي محدّد سواء بالعبرية أو بالعربية أو بالآرامية ، والموجودة عند كل الديانات الشرق أوسطية - مشتقة من كلمة OM حسب كثير من المصادر . نجد الـ M أيضًا في كلمة Marakaالسنسكريتية التي تعني البرج العاشر أو العقرب . نجدها في شهر May أجمل شهور السنة حاملاً الاخضرار الرائع معه . إن كلمة الربيع بالفرنسية Printempsتعني الزمن الأول ، وبالاسبانية Primavera تعني الاخضرار الأول . إن الحسناء النائمة في غابات الشتاء ، أو بياض الثلج ، لا تستطيعان مقاومة أمير الربيع . تأتي الحسناء بثوبها الأخضر لتتّحد بأمير الكون بشعاره الذهبي ، فيحدث زواج المادة والروح ، الماء والنار ، اللاوعي والوعي ، الأخضر والأحمر . إن الطبيعة الخضراء عذراء (Virgin، أو Vièrge،Vert، Vie، Venus) كلها تبدأ بحرف V والذي يرمز لشكل الرحم وللرقم 5 في اللاتينية الذي يحمل المعنى الأنثوي ، ومعنى نصف الكمال أو العشرة ، والذي سيتّحد بنظيره الذكري المقلوب ليشكّلا رقم 10 باللاتينية X. علينا ألا ننسى أن حرف M بحدّ ذاته مشتق شكليّا من حرف V ، ولكنّه V ناضجة قد تجاوزت عذريتها لتصبح أمًا حنونًا مرضعة؛ وأن حرف Wهو اثنتان من الـ V أو M مقلوبة، وهو الحرف الذي تبدأ به كلمات Wave، Water، Way، Wasser، Weg الخ. أما حرف الـ F، وهو V مضخّمة، فهو حرف ذكري بامتياز Father،Fire، Feuer، Frère الخ . إن الإلهة المصريّة نوت NEITH أو NOUT، وتحت تأثير قبلات إله النار فتاح PHTHA، ولدت الشمس رمز التنوّر . كثيرًا ما رُمز للأنثى بالقطة وللذكر بالكلب . والقطة من خلال عينيها الخضراوين وطبيعتها المغرية والصموتة والسرّية رمزت للاوعي وللعنقاء - رمز السائل الكوني . في كثير من الأديان والحضارات عبّر اللون الأخضر والماء عن الدرجة الأولى في الترقّي الروحي ، والأزرق والهواء عن الدرجة الثانية ، والأحمر والنار عن الدرجة الثالثة . اللون الأخضر هو لون الهداية والبدء والأمل . إن الأفروديت الاسكاندينافية FREYA، محبة المياه ، تحتفل بعيدها يوم الجمعة FREITAG بالألمانية . إن رداء علي بن أبي طالب الأخضر صار رمزًا إسلاميًا هامًا . وما هو أهم يوم ؟ إنه الجمعة أيضًا . الأخضر لون يوحنا الإنجيلي الذي تكلم عن الروح القدس . إنه لون التجدّد والتوسّع الأفقي كالماء (أما الأحمر فالتوسع الشاقولي كالنار).
في نفس الوقت ، الأخضر هو مزيج الأزرق والأصفر ، كما أنه يقع في منتصف الطيف الضوئي وبالتالي طبيعته مزدوجة . وقد أعطيت شياطين القرون الوسطى في اللوحات ، اللون الأخضر . كما أنه يولّد مشاعر ساديّة عند نيرون مثلاً ، أو انتحاريّة كما وجد عند اليائسين المتأملين في النهر الجاري أو البحيرة ، أو لواطية لأنه وجد في بعض الدراسات أن اللواطيين يميلون للون الأخضر وهو لون بارد أو سلبي ، بعكس اللون الأحمر الذي يرمز للجنسانية الذكرية .
اللون الأزرق
إذا كان الأخضر هو لون الماء ، فإن الأزرق هو لون السماء والهواء . كثيرًا ما اعتبر أن الهواء لا لون له ، ولكن نعرف تمامًا أنه لا يوجد أي شيء في الطبيعة شفاف بشكل كامل ، وبالتالي فإنه ليس من المستحيل أن يكون للبخار الناتج عن الماء وبارتفاعات ساحقة لون . بشكل عام ، يعتبر علماء الفيزياء أن اللون الأزرق للسماء هو ظاهرة انكسارية للضوء حيث خلال مرور الضوء بطبقات الجوّ المختلفة ، تقوم الذرات والجزيئات الموجودة بعكس الأمواج الأكثر قصرًا ، والتي يغلب عليها اللون الأزرق الذي يبدو أكثر نقاء بسبب الخلفية السوداء لقبّة السماء . في داخلنا غرائز دنيا تسعى دائمًا للسمو والتطوّر وغرائز عليا سامية ؛ أي أننا نحمل في داخلنا جنتنا وجهنمنا . وحسب المدرسة التحليلية ليونغ فإن الحيوانات في الأحلام هي رموز حيّة للغرائز ، وأن للألوان دور كبير أيضًا . فارتفاع الغرائز وسموّها يغلب عليه اللون الأبيض والأزرق في الأحلام . الأزرق هو موطن آلهة الأولمب ، هو رمز الحكمة الإلهيّة (وأحيانا المحبة الإلهية ، ولكن كثيرًا ما ربط الحب والمحبة أيضًا باللون الأحمر). الأزرق هو رمز المرتبة الروحية الثانية ، والسائل الكوني MA - NA والأثير ، والروح القدس الذي كثيرًا ما أخذ رمز اليمامة البيضاء ، وهذا الأبيض ظهر أحيانًا بلون المحبة الإلهية الحمراء في لهيب العنصرة ، وأحيانًا بلون الحقيقة النقية الزرقاء .
كثيرًا ما اعتبرت البقرة أنثى بامتياز ، فقد صُوّرت الإلهة المصرية Athor ببقرة ترضع حورس ، وكذلك في الإلهة الجرمانية Audumla، وفي الإلهة الهندوسية Vach؛ والسبب هو غزارة حليبها . ما لون الحليب ؟ الأبيض. رُبطت الذكورة بالامتلاء ، والأنوثة بالفراغ . ومن فراغ الأنوثة وُلدت الذكورة . الأنوثة هي الكون المنكمش أو الصفر ، والذكورة هي الكون المنكشف أو الواحد ، وكل شيء في النهاية صفر أو واحد ، ومنهما نشأ كل شيء . كذلك كان القمر في معظم الحضارات رمزًا أنثويًا ، وكذلك الثعبان وكذلك التنّين في الحضارات الشرق آسيوية ، مقابل النمر الذكري . علينا ألا ننسى أن الذكر والأنثى جاءا من الألوهة الواحدة ، وفي كل واحد بذور التحوّل إلى الآخر من خلال الدائرة الصغيرة الموجودة في كل واحد في رمز اليانغ- ين ، ومن خلال اتصالهما الأبدي.
تظهر الحيوانات حساسية كبيرة تجاه الألوان ، فالثور والديك والكلب والحصان والحشرات تستثار كثيرًا باللون الأحمر . وقد استعملت الألوان كثيرًا في معالجة الأمراض وخاصة النفسية ، إذ يوضع مرضى الاكتئاب في أجواء حمراء ، بينما مرضى التوتّر والفصام في أجواء زرقاء أو بنفسجية . لقد ذكرت عدة مصادر تأثير الألوان في جو العمل . اللون الأبيض الناصع يسبب توترًا شديدًا بين العمال ، تحسنًا كبيرًا حصل بعد طلي الجدران باللون الرمادي المزرق . أن طلي الأنابيب باللون الأزرق أو الأخضر يُشعِر بتوسع المكان . إن حمل صندوق أسود يبدو أثقل من حمل صندوق أبيض . إن اللون البرتقالي أو ارتداء شكل هندسي معيّن يحسّن من الهضم ، كما يعطي اللون البرتقالي سعادة معيّنة .
لقد حاول الكثيرون ربط الألوان بالنوطات الموسيقية ، الموضوع ليس بالضرورة ربط لون معيّن بنوطة معيّنة ، لأن اللون في النهاية ليس أمواجًا وحيدة طول الموجة أو الذبذبة ، بل هي مجال معيّن لأمواج تختلف قليلاً في طول الموجة والذبذبة ، وعليه فإن الطيف الضوئي قد يشمل عدة أوكتافات أو سلالم موسيقية . اللون الأزرق مثلاً يرتبط بأصوات أنثوية أو طفلية أكثر من ارتباطه بأصوات ذكرية في آخر السلّم الموسيقي . كثيرًا ما تأخذ الأصوات والكلمات معان لونية ، فقد قورن الأزرق والبنفسجي بالأصوات الأكثر حدّة للأذن البشرية .
علينا ألا ننسى أيضًا دور سرعة اللحن وإيقاعه في التأثير النفسي والمشاعر المختلفة ، فموسيقى مارش حربية أكثر حيوية من مارش جنائزية، ونوطة طويلة تحدث شعورًا بالألم. بعض الرقصات الشرقية الصوفية من خلال التسارع المترقّي للإيقاع ، تُحدث سكرة روحية معينة . إن سرعة اللحن لا تخلو من علاقة أيضًا مع الألوان ، فالسريع جدًا يتوافق مع الأحمر ، والبطيء مع البنفسجي أو الأزرق أو الأسو د. وحتى الآلات ، من خلال طابعها الخاص قد ترتبط بإحساسات معينة وألوان معيّنة ، فالكمان يرتبط مع البنفسجي ، الناي مع الأخضر أو الأزرق . حتّى الأحرف الصوتية تعطي انطباعات مختلفة ، فالـ A المنخفضة التي تملأ كل الجهاز الصوتي ، تدلّ على المفاجأة ، الفرح ، النشوة ؛ والـ O قد تدلّ على كل هذا بشكل أكبر ، وقد تعبّر عن النشوة التي تهزّ كل كياننا ؛ أما الـ I فهي تعبّر عن الألم الحاد ، ولكن أيضًا عن الضحك : Hi، Hi.
تطوّر اللون الأزرق الأخضر نحو اللون الأحمر الأسود
رأينا أن النباتات بشكل عام وبواسطة الكلوروفيل، أندوترمية أي ممتصة للحرارة والطاقة وجاذبة نحو الداخل مستعملة الطاقة وغاز الكربون والماء من أجل تكوين مركبات كيماوية أكثر تعقيدًا . وعلى العكس ، فإن الحيوانات ذات الدم الحار برمزه الأحمر بشكل خاص (أي الثدييات والطيور) قد قلبت هذا النظام بشكل كامل لتصبح اكزوترمية أي مطلقة للطاقة ونابذة لها ، أي تستخدم السكريات والدهنيات والبروتينات ذات التركيب الكيماوي المعقد وتحطمها إلى جزيئات صغيرة مستفيدة من الطاقة الناتجة . تسعى هذه الكائنات برمتها نحو التطور، الحساسية، الوعي، الشخصية؛ وبكلمة واحدة نحو الأنا . وعلى هذا تكون سيطرة النبات على أجزائه وخلاياه في حدها الأدنى ، وينمو هذا التحكّم أو السيطرة مع تطور العضوية ليصبح في حده الأعظم عند الإنسان حيث إن التطور يسعى دائمًا نحو التنظيم والتخصص للأعضاء المختلفة ، ونحو التفرّد الذي يتوجه الإنسان .
ولكن، ألا نرى أن هذا التقسيم ليس صحيحًا دائمًا؟ ألا يقوم النبات بالتنفس وبالأعمال المطلقة للطاقة، وحتى أن أجزاء منه كالأزهار والبذور لا تقوم إلا بالأعمال الاكزوترمية المطلقة للطاقة . وفي نفس الوقت هناك في الحيوانات وفي بعض خلاياها أعمال ممتصة للطاقة وأندوترمية وبانية للمركبات الأعقد . هناك نبات في كل حيوان وهناك حيوان في كل نبات ، كما أنه يوجد ذكر في كل أنثى وأنثى في كل ذكر ؛ وأنه لا يوجد ذكر نقي وأنثى نقية ، بل يوجد سلم موسيقي من الحالات البينية . هنا ندرك أهمية مخطط اليانغ والين . مع التطور يصبح من الأصعب على العضوية أن تكاثر نفسها أو أن تولّد الجزء المقطوع منها .
تكمن عظمة الدم الأحمر في الحفاظ على وسط داخلي ثابت الحرارة ، وهذا ما يعطي العضوية حياة حرة مستقلة ، بينما تكون الحيوانات ذات الدم البارد (أحيانًا لا لون له ، وأحيانًا أزرق) ذات حرية أقل بكثير ، فمرور غيمة تمنع أشعة الشمس من الوصول إلى الحشرة يكفي أحيانًا لشل حركتها ، كذلك يشكل الشتاء فترة طويلة من حياة بليدة عندها، على العكس من الإنسان الذي لا تتعلق حركته بدرجة الحرارة . وجد أيضًا أن الخنافس الذهبية ، والتي يسيل ضمنها لمف دموي عوضًا عن خضاب الدم ، يكون اللمف الدموي لديها بلون أخضر عند الإناث بسبب امتصاصها لجزيئات الكلوروفيل ، بينما تقوم أمعاء الذكور بتخريب الكلوروفيل فيكون اللمف الدموي عندهم أصفر باهتًا . الحيوانات الأخرى ذات الدم الأزرق بسبب ذرات النحاس عوضًا عن الحديد في خضاب الدم ، تكون عندها فقط العضلات محتوية على الهيموغلوبين أو الخضاب ، لأنها الأعضاء ذات الأكسدة الأكبر والأكثر اكزوترمية أو إطلاقًا للحرارة .
للطيور مثلاً دم أكثر حرارة من الإنسان ، ولكن هذا لا يشكل أهمية أمام درجة استقرار هذه الحرارة ، فالإنسان توصل إلى أعلى درجات التحكم بدرجة حرارته ، وأعلى درجات الاستقلال والوعي ؛ وتظاهرت مسيرة التطور كما لو أن الطاقة الممتصة من الشمس عبر النبات مرت عبر حيوانات عديدة لتصل وتتركز في الإنسان ، وهنا يصبح الإنسان الكائن الحامل للطاقة ، الحامل للنور، الملاك الذي المتحدى لإرادة الغير ، شيطان الزهو والكبرياء .
يحمل النمو والتكاثر اللون الأخضر، أما الحركة واستهلاك الطاقة فاللون الأحمر . يوجد هذا التوازن الأخضر-الأحمر عند النبات من خلال الاستقلاب الضوئي والتنفس الذي يحدث أكثر في الليل . لكن يحدث التوقيت بشكل معاكس تمام عند الإنسان والحيوانات العليا ، إذ ما هو النوم؟ إنه عودة إلى حياة أقل استقلالاً، أقل تحكمًا، أقل حركة، وأكثر جذبًا وتجميعًا للطاقة . لقد وجد أنه في حال قطع ذنب المرموط خلال السبات الشتوي الأندوترمي ، ينمو الذنب ، وهذا لا يحدث خلال اليقظة الاكزوترمية . وفي هذا فإن حالة اليقظة والحركة المستهلكة للطاقة هي حال من الترف الشديد لا تستطيع الطبيعة تأمينه باستمرار ، ولا بد من حصول توقفات فيه من خلال العودة إلى حياة أكثر بدائية خلال النوم .
نفس الشيء ينطبق على الأزهار التي لا يوجد أي أثر لها في الحياة الأرضية البدئية . إذ خلال الأحقاب التالية ظهرت الأزهار بأشكالها وألوانها الرائعة التي بدت كبنات للضوء نفسه ، وظهر الشكل المتميّز لها والذي دلّ على الحياة الأرقى والاكزوترمية . من الملاحظ أن للزهرة درجة حرارة أعلى من بقية النبات ، وتتنفس أكثر بكثير ، وتظهر الحساسية القصوى .
الزهرة هي المظهر الأكثر إبداعًا في عالم النبات.
تتميز الأنوثة بالنموّ والتكاثر الخلوي لأن الماء والمادة هما أساساها ، بينما تتميز الذكورة بأخذها منهج تقليل الماء أو التجفّف لارتباطها بعنصر النار ، وهنا يبدأ اللون الأخضر المميز للحياة الأندوترمية الأنثوية بالاختفاء وتميل العناصر الذكرية للون الأحمر . في النبات كما في الحيوان تتميز الذكورة بالحركة ، أما الأنوثة فبالاستقرار. وحتى في النباتات الأدنى مثل الأشنيات وغيرها ، تتميز النباتات الذكرية باللون الأحمر البرتقالي ، والنباتات الأنثوية باللون الميّال للأخضر . عند السرخسيات تكون الأبواغ ذكرية في حال حصلت على الضوء الكافي والآزوت الكافي، ولكن تتحول إلى ثنائية الجنس عندما تنمو في ظروف قاتمة. في معظم النباتات والحيوانات، تتميز الأبواغ والنطاف بصغر حجمها، سرعة حركتها كونها أكثر حموضة، وشحنتها الكهربائية سلبية؛ على عكس البيوض الأكبر حجمًا، والأبطأ حركة، وذات الطبيعة الأكثر قلوية، وشحنتها الإيجابية. علينا ألا ننسى أن هذا يشابه إلى حد بعيد تركيب الذرة وتشكل الأجرام في السماء، فنواة الذرة الكبيرة حجمًا نسب
نحو عالم أفضل
من أول الملاحظات التي تلفت الانتباه حول الألوان : لماذا يتميز النبات والكلوروفيل بلونه الأخضر ، ويتميز الدم بلونه الأحمر؟ والغريب أن اللونين هما لونان متكاملان ، بمعنى أن مزج ذبذبات اللون الأخضر والأحمر معًا ينتج اللون الأبيض لإشعاعات الشمس . يبقى العلم عاجزًا عن هذه الإجابات . لقد درس العلم بإسهاب فائدة اللون الأخضر للكلوروفيل ودوره الرئيسي في الاستقلاب الضوئي والحياة ، لكن الباحثين حول اللون الأحمر للدم لم يصلوا عمليًا إلى أي تفسير جوهري
هناك حكمة أزلية في الطبيعة لمستها الحضارات والأديان من زوايا مختلفة ، حيث هناك أهمية ورمزية للألوان في الحضارات والأديان المختلفة . كل هذا يجعلنا نفكر مليًّا في نظريات علم النفس حول الأنماط البدئية . فهل الألوان المختلفة ، والأرقام المختلفة ، ونوطات السلم الموسيقي المختلفة ، والعناصر الكيماوية والطبائع النفسية والجنسية المختلفة ؛ هي تعبير فيزيائي عن أنماط بدئية أساسية في المستويات أو العوالم الأعلى ؟
هل هناك فعلاً لاوعي جمعي حسب المحللين النفسيين ، أو روح كونية حسب الخيميائيين ، أو وعي كوني حسب علماء الفيزياء والديانات الشرقية ، يتخلل كل ما في الكون من أشجار وأشنيات وطحالب وحيوانات وجماد الخ ، وأن النفس هي إحدى تعبيرات هذه الروح الكونية ؟ وأن الإنسان يحتوي في داخله - إذا عرف كيف يبحث عنها - كل الاكتشافات التي وضعها نيوتن أو باستور أو غيرهم ؟ هل هذه الوحدة الكونية تعبر عن نفسها من خلال ثنائية أزلية ، أو توازن لقوى متضادة أسماها الصينيون الين واليانغ ؟ تلك الوحدة والثنائية ترفعان الستار الأسطوري عن الثالوث الذي تحدثت عنه أديان مختلفة مذكرة إيانا بفيثاغورس والفلسفة الأزلية .
الألوان تبدو لنا كعلامات على مدخل كوني ، فالألوان تعبّر عن نمط بدئي للجوهر الأحمر مثلاً أو الجوهر الأزرق في العالم النفسي ، والذي يشكل الركيزة للعالم الفيزيائي . والرموز هي الأنماط البدئية ، أما الألوان والأصوات والروائح والأحلام والأشكال الهندسية وحتّى الأفكار ليست سوى تظاهرات لهذه الأنماط البدئية . فالسعادة والألم ليست إلا تحركات ، الأولى تشير إلى الامتلاء والثانية إلى الفراغ . وقد اعتبر قوس قزح يومًا ما على أنه جسر بين السماء والأرض . الألوان هي نوع من اللغة والتعبير لهذه الروح الكونية . إنها مفتاح يسمح لنا بفتح أسرار أزلية وباكتشاف الهوَ المندثرة تحت الأنا Ego. إن ميتافيزيقيا الألوان هي ملتقى المحللين النفسيين مع الشعراء ، وهي التي تسمح للواحد فيهما أن يفهم الآخر ، وهي تسمح بلم شمل إنساني من الصعب تخيل الحياة من دونه .
مبدأ الثنائية ومبدأ الثالوث
لقد ذكرت معظم الحضارات هذين المبدأين بنسب وأهمية مختلفة ، ولكن اتفقت كلها على وجود هذين المبدأين . ركّز الصينيون والزردشتيون (وبالتالي الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام) على أولوية مبدأ الثنائية ، واعتبروها أساس الخير والشر ، أو الجنة وجهنم . قال الصينيون إن هناك مصدرًا أو طاقة إلهية بدئية ، والتي هي مصدر كل شيء مرئي وغير مرئي في هذا الكون . عندما تبدأ هذه الطاقة الخلاّقة بأخذ طابع ما ، يظهر قطبان تعبيريان يعطيان كل الثنائيات الموجودة في العالم . يطلق على هذين القطبين أو الثنائية ، أسماء مختلفة فقد نسميهما: 1- الروح أو الأب أو اليانغ. 2- المادة أو الأم Matter or Mother أو الين . من امتزاج الأب والأم ينجم الابن أو النفس . من الواحد نشأ الاثنان ، ومن الاثنين نشأ الثلاثة ، والثلاثة معًا تمثل الواحد . جوهر اليانغ يتظاهر بالإيجابية والذكورة والسيطرة والحركة النابذة والمنطق ، ويعبر عن رغبة التكوين والتوسع وبالتالي النمو ؛ بينما يتظاهر جوهر الأم أو الين بالسلبية والأنوثة والاستقبال والحركة الجاذبة والإرهاف في الإحساس والرعاية ، وتعبر عن حكمة التركيز وجلب الأضداد معًا من أجل رعاية بذور الخالق من أجل ولادة جديدة واستمرار الحياة . يحصل اتحادهما من خلال قوة الانجذاب أو المحبة وينجم الابن أو النفس ، والمحبة توحّد وتؤدي إلى زوال العزلة . إن طاقة الإرادة طاقة كهربائية إيجابية أو سلبية ، أما المحبة فهي طاقة مغناطيسية تجذب الأب نحو الأم ، أو الذكورة نحو الأنوثة ، أو اليانغ نحو الين وبالعكس ؛ ومن اجتماع المحبة مع الإرادة تتولد طاقة كهرطيسية .
أما الحضارة الهندية ، ومعظم حضارات الشرق الأوسط القديمة بما فيها الديانة المسيحية واليونان ، فقد ركّزت على أولوية مبدأ الثالوث Trinity ، فافترضت وجود مجال شامل إلهي من النقاوة الخالصة والغير متغيرة . وأنه لما كانت طبيعة الحقل الموحّد وعي نقي كامل ، فمن الطبيعي أن يكون واعيًا مدركًا ، ولمن ليس عنده إلا نفسه ليدركه وهو لا يمكن أن يلجم نفسه عن معرفة نفسه . وبهذا يكون الوعي وحده مدركًا لنفسه ، وتعود مرجعيته دائمًا إليها . وهنا نجد أنه بشكل أوتوماتيكي يصبح الوعي اللامنقسم ثلاثية تعددية هي المدرِك knower ، المدرَك Known والمنهج الإدراكي Process of knowing ؛ أو المشاهِد Observer ، المشاهَد Observed، ومنهج المشاهدة Process of observation. يصبح الوعي هو الفاعل والموضوع والارتباط بينهما ، ويكون بنفس الوقت الواحد والثالوث .
الوحدة ، أو السامهيتا بالسنكريتية ، تتناوب في التحول إلى ثلاثية الـRishi والديفاتا والتشهانداس ، والعودة إلى الوحدة من جديد ، والعودة إلى الثالوث ، والتي هي بالحقيقة طيف من الوحدة ، والعودة من جديد إلى الوحدة من خلال ما يسمى بالتواتر اللانهائي Infinite Frequency. هذا التأرجح بين الوحدة والثلاثية يحمل ديناميكية خلاقة ورائعة لمجال كان صامتًا بشكل مطلق ، وهنا تبدأ تنوعات الخلق والتكوين ، وتتحول الوحدة والتفرّد للوعي النقي إلى تنوع رائع ، ويتحول صمت الوعي النقي إلى ديناميكية خلاقة . لقد استُنِد في النهاية على فكرة المدرِك والمدرَك والمنهج الإدراكي في مبدأ الثالوث المقدَّس المسيحي الآب والابن والروح القدس . بمجرّد أن نطق الله كلمة الخلق في الفضاء اللامتناهي ، ظهرت الازدواجية الأولى : الله وعملية الخلق ، ولكن بمجرّد القيام بعملية الخلق تكوّن المخلوق أو الابن ، فهنا نرى أن مبدأ الازدواجية والتثليث حدثا في نفس الوقت . من هذين المبدئين نشأت في النهاية الأربعة عناصر والفصول ، والخمسة والستة والسبعة - وهو رقم الكمال الأرضي-، والاثنا عشر - وهو رقم الكمال الكوني-، والأرقام الأخرى .
طلالة الألوان
كل عملية تكوين أو خلق تحتاج إلى إرادة تأمر ، محبة أو عاطفة أو دافع لتبارك ، وعقل لينفّذ . شاء الخالق فأوجد من كيانه ، أي من نوره ، كونًا ، وهذا الكون تكوّن على عدة مستويات ، فكان المستوى الروحي ، وكان المستوى العقلي ، وكان المستوى العاطفي أو الكوكبي - باختلاف التسميات -، والمستوى الأثيري الطاقي والمستوى المادي . كلّما نزلنا درجة أو مستوى ازدادت كثافة الطاقة وقلّت ذبذبتها إلى أن تحولت إلى مادة . كان على طاقة التكوين هذه أن ترتدي جسدًا أو كيانًا من المستوى الذي انخفضت إليه ، لأنها لم تعد بنفس حالة الصفاء والنور النقي الذي كانت فيه ، وهذا الجسد هو الألوان . كلما كان المستوى أعلى كلما كان اللون أكثر شفافية ونورانيّة ، وكلما كان المستوى أخفض كلما كان اللون أكثر كثافة . أخذت الإرادة الإلهية (الآب) لها طليعة اللون الأحمر الأرجواني (الذي لا يرى طبعًا بالعين المجرّدة)، وأخذت المحبّة الإلهية (الروح القدس) طليعة اللون الأزرق النوراني جسدًا لها ، وأخذ العقل الكلّي طليعة اللون الأصفر رداء له .
كأنما النور الإلهي الحقيقي الخالص انطلق من وراء الشمس شعاعًا نورانيًّا صافيًا ، لكنه يحوي سائر الألوان في ذاته ، أو هي كامنة في أعماقه بالقوّة . ما إن فاض هذا النور أو دخل النظام الشمسي حتى تثلّث ، أو تحلّل إلى ثلاثة أشعة كونية في لمحة أبدية . وكأن مروره الخاطف عبر الازدواجية ، جاء ليثبت أن الازدواجية كامنة في النور بالقوّة ، وفي الأشعة الثلاثة بالفعل . وكما تقول العلوم الشرقية ، خاصة الهندية ، عن التواتر اللانهائي بين الوحدة والثالوث ، حدث هذا باستمرار مع الألوان . فالنور الحقيقي الخالص الذي بقي لبرهة محافظًا على وجوده الأحادي أثناء انعكاسه في الطبقات الأدنى ، اتخذ اللون النيلي رمزًا له ، والألوان الثلاثة - وبما أن الازدواجية كامنة فيها بالقوة - ازدوجت وانعكست في ثلاثة ألوان أخرى كانت أقل نورانية بسبب هبوطها إلى مستوى أخفض هو المستوى الروحي ، وبالتالي أكثر كثافة ، فتحول الأحمر الأرجواني إلى قرمزي ، والأزرق النوراني إلى أزرق سماوي ، والأصفر النوراني إلى أصفر شمسي أو ذهبي ؛ وبالتالي تكون ثالوث جديد روحي . ومع الهبوط أكثر إلى المستوى المادّي ، ومع قابلية المزج الهائلة ، امتزج الأحمر مع الأصفر ليعطي البرتقالي ، والأزرق مع الأحمر ليولّد البنفسجي ، والأصفر مع الأزرق لينبثق الأخضر . أما اللون النيلي ، صلة الوصل بين الأشعة اللونيّة الأصيلة والثالوث الروحي ، فهو حاصل اندماج الألوان الثلاثة الأساسيّة - الأحمر والأزرق والأصفر معًا -، أو اتحاد ثالوث الألوان في الطبقات الروحية والمادية على أنواعها . وبما أن الكيان المادّي في عالم الأرض لا يكتمل كلّيًا إلا بالعدد 12، كان لا بدّ أن تظهر خمسة ألوان جديدة هي الزهري ، الفضّي ، البنّي ، الترابي ، والـMauve أي البنفسجي الضارب إلى الزهري .
من هنا ظهرت ثلاث مراتب من الكمال التي يتوجب على الإنسان بلوغها للوصول إلى الاتحاد في قلب اللّه : كمال مادي عبر الثالوث المادّي ، وكمال روحي عبر الثالوث الروحي ، وكمال إلهي عبر الثالوث الإلهي ؛ فالوعي المادّي لا يكتسب من خلال وعي الثالوث المادّي فحسب ، بل من خلال وعي أصل هذه الألوان السبعة عبر رموزها ، والكمال الروحي يتم عن طريق اكتمال خصائص الألوان السبعة في الثالوث الروحي وفي وحدة النور .
وجدت الألوان أو الذبذبات اللونية مع بدء الوجود ، فلا وجود دون ألوان ولا ألوان دون وجود ، لأنها دليل على كينونة ما ، بل هي تجسيد ذلك الشيء في ذبذبات مادية . الألوان هي تجسيد للذبذبات ، أي تفسر مكنوناتها ماديًا . حين خلق الله الكون ، انطلقت منه ذبذبات إلهية وانتشرت في كل اتجاه ، لكنها تذبذبت بسرعات مختلفة ، فعندما تسارعت بالتبذبذب تكون كون لا منظور ، وحين تباطأت تشكّل كون أو كلّ منظور .
الذرات هي طاقة الحياة التي لا لون لها في الفضاء الخارجي ، لكن حين وصلت تلك الطاقة إلى محيط الأرض ، أي دخلت نطاق المادة ، كان لا بدّ لها أن ترتدي ثوبًا يتلاءم وطبيعتها ، فكما أن ذرات الأوكسجين أو الهيدروجين مثلاً يستحيل عليها التواجد في الطبيعة بشكلها الأحادي ، بل يجب أن تكون بشكلها الثنائي ، كذلك فوتونات الضوء لا يمكنها أن تظهر في عالم المادة بنورانيتها وشفافيتها الروحية ، فلا بدّ أن تكتسب كساء أو جسدًا لها ، وكانت أن اختارت الألوان رداء لها ؛ فالألوان هي جسد الذبذبات بل جسد الحياة ، فلا حياة دون ألوان ولا ألوان دون حياة . إن إهمال الإنسان للألوان لا يعني عدم وجودها ، لكنه في البدء لم يدركها ، ولكن شيئًا فشيئًا بدأت تتسلل إلى حياته العملية ، وظهرت بادئ ذي بدء في ممارسة الطقوس الدينية وخاصة اللون الأحمر القرمزي والأصفر الفاتح والأزرق السماوي ، ثم صارت الألوان تستخدم لطلاء المعابد والهياكل المقدسة ، وصار لكل لون رمز ومرتبة ، فكان اللون البنفسجي والأحمر الأرجواني حكرًا على الملوك والأمراء في بلاد ما بين النهرين ، أما الأخضر والأصفر والقرمزي والأزرق فكانت خاصة بالكهنة والمعابد ، وكان البرتقالي اللون المميّز للأطباء والعلماء ، واللون النيلي خاص بالقضاة والمحامين ، أما البنّي والرمادي وغير ذلك من الألوان القاتمة فخاصة بعامة الشعب .
دخلت الألوان بعد ذلك في طلاء المنازل والمفروشات ، أي اعتمدها عامة الشعب . بلغ شغف الشعب بالألوان درجة كبيرة فصار الأحمر الصارخ يدلّ على القتال ، والأصفر الداكن يدلّ على الغضب والحقد ، أما الأخضر فيشير إلى السلام ، والأزرق إلى طيب المودّة وصفاء النيّة ، والأبيض إلى السلام . استخدمت الألوان كوسيلة شفائية عند كهنة ما بين النهرين والإغريق ومصر القديمة من خلال ما لها من تأثير مغناطيسي على الجسد ، أو على الأجسام الباطنية غير المنظورة .
ماهيّة الألوان
وجدت الألوان منذ بدء الخليقة ، وكانت ذبذباتها موجودة أصلاً قبل خلق الإنسان ، وبالتحديد منذ باشرت الروح الإنسانية هبوطها وتدرجها عبر طبقات الوعي العليا أو مستويات الوجود الحياتي التي تعتبر الأرض أكثفها... لتتجسّد في عالم المادة . الألوان هي ذبذبات الوعي - كما تشرح علوم الايزوتيريك -، فاللون لا يدل على حاجات أو أشياء ملموسة ، بل يرمز إلى مستوى وعي أو إلى ميزة معيّنة ( لا يعني طبعًا اللون الأزرق للحائط درجة وعي الحائط ، ولكنه يستثير معاني الهدوء والمحبة في الإنسان ، وهذا هو المقصود ). المقصود بكلمة لون في العرف الباطني هو تلك الذبذبة التي تحمل اللون أصلاً ، أي معنى اللون . وهذه الذبذبة ليست مرئية إلا لمن تفتّح لديه البصر الداخلي أو العين الثالثة ليستشف الذبذبات وألوانها على طبيعتها .
ولكل لون رمز لأنه يجسّد وجودًا معيّنًا ، فالنور الإلهي الحقيقي الصافي الخالص هو رمز وجود الإله الواحد الذي بثّ الحياة في رمز الوجود وخلق الكون . تظهر الألوان أيضًا في الأجسام الباطنية للإنسان ، التي هي فعلاً طاقة الحياة والحيوية والوجود في الكائن البشري ، فهذه الأجسام مكوّنة من ذبذبات وعي ، ولكل جسم درجة وعي معيّنة ، كما أن لكل درجة من درجات الوعي لونًا يمّيزها عن سواها . الأمر الذي يفسّر أن كل جسم باطني يحوي جميع الألوان ، لكنّه يتميّز بلون واحد طاغ على الجميع .
ومن جهة أخرى هناك درجات أو تدرّجات في اللون الواحد ، وهذا ما يميّز وعي الجسم الباطني الذي يحوي ذلك اللون من الأجسام الأخرى . فاللون الأزرق مثلاً لديه عدة تدرّجات تتراوح بين الأزرق الفاتح والسماوي والنيلي والفيروزي والقاتم والأزرق المتدرّج في الأخضر الداكن . جميع هذه الألوان تعتبر درجات في اللون الأزرق ، ولكن اختلافها يرمز إلى درجة الوعي أو الصفة التي يجسّدها هذا اللون في الجسم الباطني . فكلّما شفّ اللون دلّ على درجة وعي أسمى ، والعكس بالعكس ، فاللون الأزرق مثلاً في الجسم الكوكبي أكثف من الأزرق في الجسم العقلي .
الألوان الباردة
في البدء عليّ أن أذكر أنه في علم الرموز كثيرًا ما تظهر بعض الأفكار متعارضة مع بعضها في حال لم نعد إلى الأنماط البدئية Archetypes التي تشرحها ، وهذا ينطبق على الألوان ، فقد يظهر اللون الأزرق مثلاً ذو علاقة تارة باللون الأبيض (سموّ الألوان) وطورًا بالأسود (فناء الألوان) ما لم نحاول رؤية المحتوى الذي ورد فيه ودرجة اللون . فاللون الأزرق السماوي أقرب للأبيض ، أما الكحلي فهو أقرب للأسود. والرداء الأزرق الفاتح هو رداء مريم العذراء ، أما الأزرق الغامق والكحلي فهو رداء الحداد والحزن . حسب الرمز المعروف باليانغ والين عند الصينيين وشعوب شرق آسيا فإن الذكورة أو اليانغ تتمثّل بطاقة نابذة تسعى نحو التوسّع والخارج وإطلاق الطاقة والنموّ وتتمثّل باللون الأبيض ، وفي المقابل فإن المبدأ الأنثوي أو الين يتمثّل بالاستقبال والحضن والطاقة الجاذبة من أجل اختمار بذور الخالق لنموّها من جديد ، وتتمثّل باللون الأسود . لكن علينا ألا ننسى أن في داخل كل واحدة دائرة صغيرة من اللون الآخر تعني الاستعداد الدائم لتحوّل الواحدة للأخرى ، وكذلك التقاء كل واحدة بالأخرى باستمرار وتداخلهما يعني نفس الشيء . وُضِع اللون الأزرق الأنثوي بدل الأبيض في بعض المناطق ، ووضع اللون الأحمر الذكري بدل الأسود (وفي مناطق أخرى ، وضع الأحمر بدل الأبيض والأزرق بدل الأسود)، فهل هذا يغيّر الحقيقة الأصليّة ؟ لا طبعًا ، لأنه كما سنرى ، فإن اللون الأحمر الذكري يسعى نحو الأسود ، والأزرق الأنثوي قريب جدًا في معانيه للأبيض ، ولكنّه أحيانًا رُبِط بالأسود . ففي النهاية يوجد مبادئ أو أنماط بدئية أساسية تتجاوز الزمان والمكان ، ولكن بمحاولتنا إعطائها تطبيقات محدودة زمنيًا ومكانيًا وتحليلها عقليًا ، تختلط علينا الصورة الكلّية الهولوغرافيّة .
لاحظ المحلّل النفسي Carl Jung أن معظم الحضارات لم يكن لها في البداية غير إلهين أحدهما ذكري والثاني أنثوي ، وفقط لونين: الأول أحمر- أصفر، والثاني أزرق- أخضر، وأنه في كثير من الحضارات كان الحرف م أو M يدخل في المفاهيم الأنثوية ، والحرف ب أو B أو P يدخل في المفاهيم الأنثوية .
اللون الأخضر
إنه اللون الغالب للنباتات وأحيانًا للماء والمستنقعات والبحيرات والبحر . أثبتت التجارب أن لون الماء أكثر زرقة منه خضرة ، ولكن رمزيًا ، أعطي الماء اللون الأزرق والأخضر والأسود . اللون الأخضر هو لون الحياة من خلال الكلوروفيل ودوره الأساسي في دورة الحياة . تستعمل الأوراق الطاقة الشمسية في عملية الاستقلاب الضوئي . أي لون ؟ إن اللون الأحمر هو ما يستعمل بالدرجة الأولى لأنه اللون الأكثر حرارة ، ولأن الأحمر هو اللون النظير أو المتمّم للأخضر، فلون الجسم يحدث من امتصاصه الألوان الأخرى وإصداره ذلك اللون، اللون المتمّم للون الجسم هو الذي يحدِث التفاعلات الكيماوية في هذا الجسم . إن غياب الكلوروفيل يحكم على كل الحياة الأرضية بالفناء والاختناق ، كما يتيح الكلوروفيل وجود الكائنات الأعلى من حيوانات وغيرها والتي لا تستطيع من خلال المعادن وغاز الكربون والطاقة تكوين المركبات الأعقد .
إن نسبة الماء للون الأخضر بديهية ، فالأخضر هو نظير الأحمر ، كما أن الماء نظير النار ، وكلنا يعرف أن الرطوبة تؤثّر على الكلوروفيل ، فالأوراق تكون أكثر خضرة وبريقًا في الأجواء الأكثر رطوبة . المزج الضوئي للأخضر والأحمر يولّدان من جديد الضوء الأبيض للشمس أو الوحدة . إن النبات من خلال اللون الأخضر يقوم بأخذ الطاقة من الشمس (أو رمزيًا يجذب الشمس نحو الداخل من أجل استعمالها من قبل الخلايا والتي قلّما تختلف الواحدة عن الأخرى ، أو نقولها بطريقة أخرى إن النظام الهرمي والتخصصي عند النبات يكون في أدناه) إذ تلعب كل خلية تقريبًا دورًا مستقلاً ، فالأغصان في الشجرة لا تنمو بشكل متناظر ، وأية قطعة من النبات تستطيع إنماء نبات كامل من جديد . مع قلب هذا النظام من جاذب وآخذ للطاقة إلى نابذ ومولّد للطاقة ، من عدم الحركة إلى الحركة ، من اللون الأخضر إلى الأحمر ، استطاعت الحيوانات الأعلى والتي يترأسها الإنسان التغلّب على هذه الفرديّة وكوّنت جهازًا مركزيًا مترأسًا من قبل الجهاز العصبي ، وأصبح كل عضو يقوم بمهمّات محدّدة تمامًا ، وازداد الوعي والحساسيّة وكل الوظائف المنوطة باللون الأحمر .
لقد كُرّس اللون الأخضر والأسود للإلهة فينوس أو أفروديت اللتين ولدتا في الماء . إنهما رمز الجانب الأنثوي للطبيعة ، الأم والمرضع ، المعطية للمحبّة ، وهي القاعدة الأساسيّة ولكل الكائنات الحيّة . ينمو الجنين داخل الماء الأمنيوسي ، وقد تكلّمت الأديان دائمًا عن المياه التي غمرت الكون في البدء ، والتي أعطيت اللون الأسود (ولكن للون الأخضر علاقة وثيقة بالأسود والاثنان ألوان باردة ). اللون الأسود يذكّرنا بالليل والولادة للإنسان والكائنات والكون برمّته . يقول أورفيوس :
أغنّي الليل ، الليل هو أم الآلهة والإنسان . الليل هو أصل كل المخلوقات وهو ما نسمّيه فينوس .
يعرف المحلّلون النفسيّون أن الماء يرمز للأم واللاوعي ، وأن اللاوعي هو القاعدة التي ينشأ منها الوعي والذي كثيرًا ما يظهر في الأحلام على شكل البحر . إن الحرف M أو μ باليونانية بشكله المتموّج ولفظه يحمل في طيّاته طبيعة تموّجية ، وبالتالي يعبّر عن مفهوم بدئي أنثوي مائي تموّجي ، وأن لفظ MA الذي يعني السائل الكوني يبدأ بهذا الحرف ، وأن كلمة Movement بالإنكليزية وغيرها تبدآن بهذا الحرف . ومعظم تسميات الأم تبدأ بهذا الحرف . إن الحيّة مع حركاتها التموّجية كثيرًا ما رُبطت بالحكمة والسائل الكوني وفكرة الأنوثة . إن برج الدلو يعبّر عن فكرة السائل الكوني . إن الكلمة العبرية Nachash نحاس تعني النحاس بأملاحه الخضراء ( بينما الحديد طبعًا بأملاحه الحمراء ) وتعني أيضًا الحيّة ، النحاس ولاحقًا البرونز لهما مفهوم أنثوي ، مفهوم العالم السفلي ، مفهوم الرحم الذي خرجت منه الحياة .
ما أول ما ينطق به الطفل ؟ ما MA. ألا نجدها في الكلمة اللاتينية MAMA والتي تعني الأم والمرضع . ألا نجدها في أم، Mère، Madre، Mother، Mommy، Maman، وMaderالفارسية. ألا نجدها في كلمة مادّة بالعربية وMatter، Matière، وكلمة Magia، Maïa، Maria والدة الإله ؟ وأيضًا في كلمة Mare، Mer أي البحر؟ إن كلمة Miriam بالعبرية تعني مريم وتعني البحر . ما أول شيء نطقه الإله عندما خلق الكون حسب كتب الفيدا ؟ إنه لفظ OM (لنرى التقارب مع كلمة أمّ بالعربية). أليست كلمة آمين - والتي ليس لها أي معنى لغوي محدّد سواء بالعبرية أو بالعربية أو بالآرامية ، والموجودة عند كل الديانات الشرق أوسطية - مشتقة من كلمة OM حسب كثير من المصادر . نجد الـ M أيضًا في كلمة Marakaالسنسكريتية التي تعني البرج العاشر أو العقرب . نجدها في شهر May أجمل شهور السنة حاملاً الاخضرار الرائع معه . إن كلمة الربيع بالفرنسية Printempsتعني الزمن الأول ، وبالاسبانية Primavera تعني الاخضرار الأول . إن الحسناء النائمة في غابات الشتاء ، أو بياض الثلج ، لا تستطيعان مقاومة أمير الربيع . تأتي الحسناء بثوبها الأخضر لتتّحد بأمير الكون بشعاره الذهبي ، فيحدث زواج المادة والروح ، الماء والنار ، اللاوعي والوعي ، الأخضر والأحمر . إن الطبيعة الخضراء عذراء (Virgin، أو Vièrge،Vert، Vie، Venus) كلها تبدأ بحرف V والذي يرمز لشكل الرحم وللرقم 5 في اللاتينية الذي يحمل المعنى الأنثوي ، ومعنى نصف الكمال أو العشرة ، والذي سيتّحد بنظيره الذكري المقلوب ليشكّلا رقم 10 باللاتينية X. علينا ألا ننسى أن حرف M بحدّ ذاته مشتق شكليّا من حرف V ، ولكنّه V ناضجة قد تجاوزت عذريتها لتصبح أمًا حنونًا مرضعة؛ وأن حرف Wهو اثنتان من الـ V أو M مقلوبة، وهو الحرف الذي تبدأ به كلمات Wave، Water، Way، Wasser، Weg الخ. أما حرف الـ F، وهو V مضخّمة، فهو حرف ذكري بامتياز Father،Fire، Feuer، Frère الخ . إن الإلهة المصريّة نوت NEITH أو NOUT، وتحت تأثير قبلات إله النار فتاح PHTHA، ولدت الشمس رمز التنوّر . كثيرًا ما رُمز للأنثى بالقطة وللذكر بالكلب . والقطة من خلال عينيها الخضراوين وطبيعتها المغرية والصموتة والسرّية رمزت للاوعي وللعنقاء - رمز السائل الكوني . في كثير من الأديان والحضارات عبّر اللون الأخضر والماء عن الدرجة الأولى في الترقّي الروحي ، والأزرق والهواء عن الدرجة الثانية ، والأحمر والنار عن الدرجة الثالثة . اللون الأخضر هو لون الهداية والبدء والأمل . إن الأفروديت الاسكاندينافية FREYA، محبة المياه ، تحتفل بعيدها يوم الجمعة FREITAG بالألمانية . إن رداء علي بن أبي طالب الأخضر صار رمزًا إسلاميًا هامًا . وما هو أهم يوم ؟ إنه الجمعة أيضًا . الأخضر لون يوحنا الإنجيلي الذي تكلم عن الروح القدس . إنه لون التجدّد والتوسّع الأفقي كالماء (أما الأحمر فالتوسع الشاقولي كالنار).
في نفس الوقت ، الأخضر هو مزيج الأزرق والأصفر ، كما أنه يقع في منتصف الطيف الضوئي وبالتالي طبيعته مزدوجة . وقد أعطيت شياطين القرون الوسطى في اللوحات ، اللون الأخضر . كما أنه يولّد مشاعر ساديّة عند نيرون مثلاً ، أو انتحاريّة كما وجد عند اليائسين المتأملين في النهر الجاري أو البحيرة ، أو لواطية لأنه وجد في بعض الدراسات أن اللواطيين يميلون للون الأخضر وهو لون بارد أو سلبي ، بعكس اللون الأحمر الذي يرمز للجنسانية الذكرية .
اللون الأزرق
إذا كان الأخضر هو لون الماء ، فإن الأزرق هو لون السماء والهواء . كثيرًا ما اعتبر أن الهواء لا لون له ، ولكن نعرف تمامًا أنه لا يوجد أي شيء في الطبيعة شفاف بشكل كامل ، وبالتالي فإنه ليس من المستحيل أن يكون للبخار الناتج عن الماء وبارتفاعات ساحقة لون . بشكل عام ، يعتبر علماء الفيزياء أن اللون الأزرق للسماء هو ظاهرة انكسارية للضوء حيث خلال مرور الضوء بطبقات الجوّ المختلفة ، تقوم الذرات والجزيئات الموجودة بعكس الأمواج الأكثر قصرًا ، والتي يغلب عليها اللون الأزرق الذي يبدو أكثر نقاء بسبب الخلفية السوداء لقبّة السماء . في داخلنا غرائز دنيا تسعى دائمًا للسمو والتطوّر وغرائز عليا سامية ؛ أي أننا نحمل في داخلنا جنتنا وجهنمنا . وحسب المدرسة التحليلية ليونغ فإن الحيوانات في الأحلام هي رموز حيّة للغرائز ، وأن للألوان دور كبير أيضًا . فارتفاع الغرائز وسموّها يغلب عليه اللون الأبيض والأزرق في الأحلام . الأزرق هو موطن آلهة الأولمب ، هو رمز الحكمة الإلهيّة (وأحيانا المحبة الإلهية ، ولكن كثيرًا ما ربط الحب والمحبة أيضًا باللون الأحمر). الأزرق هو رمز المرتبة الروحية الثانية ، والسائل الكوني MA - NA والأثير ، والروح القدس الذي كثيرًا ما أخذ رمز اليمامة البيضاء ، وهذا الأبيض ظهر أحيانًا بلون المحبة الإلهية الحمراء في لهيب العنصرة ، وأحيانًا بلون الحقيقة النقية الزرقاء .
كثيرًا ما اعتبرت البقرة أنثى بامتياز ، فقد صُوّرت الإلهة المصرية Athor ببقرة ترضع حورس ، وكذلك في الإلهة الجرمانية Audumla، وفي الإلهة الهندوسية Vach؛ والسبب هو غزارة حليبها . ما لون الحليب ؟ الأبيض. رُبطت الذكورة بالامتلاء ، والأنوثة بالفراغ . ومن فراغ الأنوثة وُلدت الذكورة . الأنوثة هي الكون المنكمش أو الصفر ، والذكورة هي الكون المنكشف أو الواحد ، وكل شيء في النهاية صفر أو واحد ، ومنهما نشأ كل شيء . كذلك كان القمر في معظم الحضارات رمزًا أنثويًا ، وكذلك الثعبان وكذلك التنّين في الحضارات الشرق آسيوية ، مقابل النمر الذكري . علينا ألا ننسى أن الذكر والأنثى جاءا من الألوهة الواحدة ، وفي كل واحد بذور التحوّل إلى الآخر من خلال الدائرة الصغيرة الموجودة في كل واحد في رمز اليانغ- ين ، ومن خلال اتصالهما الأبدي.
تظهر الحيوانات حساسية كبيرة تجاه الألوان ، فالثور والديك والكلب والحصان والحشرات تستثار كثيرًا باللون الأحمر . وقد استعملت الألوان كثيرًا في معالجة الأمراض وخاصة النفسية ، إذ يوضع مرضى الاكتئاب في أجواء حمراء ، بينما مرضى التوتّر والفصام في أجواء زرقاء أو بنفسجية . لقد ذكرت عدة مصادر تأثير الألوان في جو العمل . اللون الأبيض الناصع يسبب توترًا شديدًا بين العمال ، تحسنًا كبيرًا حصل بعد طلي الجدران باللون الرمادي المزرق . أن طلي الأنابيب باللون الأزرق أو الأخضر يُشعِر بتوسع المكان . إن حمل صندوق أسود يبدو أثقل من حمل صندوق أبيض . إن اللون البرتقالي أو ارتداء شكل هندسي معيّن يحسّن من الهضم ، كما يعطي اللون البرتقالي سعادة معيّنة .
لقد حاول الكثيرون ربط الألوان بالنوطات الموسيقية ، الموضوع ليس بالضرورة ربط لون معيّن بنوطة معيّنة ، لأن اللون في النهاية ليس أمواجًا وحيدة طول الموجة أو الذبذبة ، بل هي مجال معيّن لأمواج تختلف قليلاً في طول الموجة والذبذبة ، وعليه فإن الطيف الضوئي قد يشمل عدة أوكتافات أو سلالم موسيقية . اللون الأزرق مثلاً يرتبط بأصوات أنثوية أو طفلية أكثر من ارتباطه بأصوات ذكرية في آخر السلّم الموسيقي . كثيرًا ما تأخذ الأصوات والكلمات معان لونية ، فقد قورن الأزرق والبنفسجي بالأصوات الأكثر حدّة للأذن البشرية .
علينا ألا ننسى أيضًا دور سرعة اللحن وإيقاعه في التأثير النفسي والمشاعر المختلفة ، فموسيقى مارش حربية أكثر حيوية من مارش جنائزية، ونوطة طويلة تحدث شعورًا بالألم. بعض الرقصات الشرقية الصوفية من خلال التسارع المترقّي للإيقاع ، تُحدث سكرة روحية معينة . إن سرعة اللحن لا تخلو من علاقة أيضًا مع الألوان ، فالسريع جدًا يتوافق مع الأحمر ، والبطيء مع البنفسجي أو الأزرق أو الأسو د. وحتى الآلات ، من خلال طابعها الخاص قد ترتبط بإحساسات معينة وألوان معيّنة ، فالكمان يرتبط مع البنفسجي ، الناي مع الأخضر أو الأزرق . حتّى الأحرف الصوتية تعطي انطباعات مختلفة ، فالـ A المنخفضة التي تملأ كل الجهاز الصوتي ، تدلّ على المفاجأة ، الفرح ، النشوة ؛ والـ O قد تدلّ على كل هذا بشكل أكبر ، وقد تعبّر عن النشوة التي تهزّ كل كياننا ؛ أما الـ I فهي تعبّر عن الألم الحاد ، ولكن أيضًا عن الضحك : Hi، Hi.
تطوّر اللون الأزرق الأخضر نحو اللون الأحمر الأسود
رأينا أن النباتات بشكل عام وبواسطة الكلوروفيل، أندوترمية أي ممتصة للحرارة والطاقة وجاذبة نحو الداخل مستعملة الطاقة وغاز الكربون والماء من أجل تكوين مركبات كيماوية أكثر تعقيدًا . وعلى العكس ، فإن الحيوانات ذات الدم الحار برمزه الأحمر بشكل خاص (أي الثدييات والطيور) قد قلبت هذا النظام بشكل كامل لتصبح اكزوترمية أي مطلقة للطاقة ونابذة لها ، أي تستخدم السكريات والدهنيات والبروتينات ذات التركيب الكيماوي المعقد وتحطمها إلى جزيئات صغيرة مستفيدة من الطاقة الناتجة . تسعى هذه الكائنات برمتها نحو التطور، الحساسية، الوعي، الشخصية؛ وبكلمة واحدة نحو الأنا . وعلى هذا تكون سيطرة النبات على أجزائه وخلاياه في حدها الأدنى ، وينمو هذا التحكّم أو السيطرة مع تطور العضوية ليصبح في حده الأعظم عند الإنسان حيث إن التطور يسعى دائمًا نحو التنظيم والتخصص للأعضاء المختلفة ، ونحو التفرّد الذي يتوجه الإنسان .
ولكن، ألا نرى أن هذا التقسيم ليس صحيحًا دائمًا؟ ألا يقوم النبات بالتنفس وبالأعمال المطلقة للطاقة، وحتى أن أجزاء منه كالأزهار والبذور لا تقوم إلا بالأعمال الاكزوترمية المطلقة للطاقة . وفي نفس الوقت هناك في الحيوانات وفي بعض خلاياها أعمال ممتصة للطاقة وأندوترمية وبانية للمركبات الأعقد . هناك نبات في كل حيوان وهناك حيوان في كل نبات ، كما أنه يوجد ذكر في كل أنثى وأنثى في كل ذكر ؛ وأنه لا يوجد ذكر نقي وأنثى نقية ، بل يوجد سلم موسيقي من الحالات البينية . هنا ندرك أهمية مخطط اليانغ والين . مع التطور يصبح من الأصعب على العضوية أن تكاثر نفسها أو أن تولّد الجزء المقطوع منها .
تكمن عظمة الدم الأحمر في الحفاظ على وسط داخلي ثابت الحرارة ، وهذا ما يعطي العضوية حياة حرة مستقلة ، بينما تكون الحيوانات ذات الدم البارد (أحيانًا لا لون له ، وأحيانًا أزرق) ذات حرية أقل بكثير ، فمرور غيمة تمنع أشعة الشمس من الوصول إلى الحشرة يكفي أحيانًا لشل حركتها ، كذلك يشكل الشتاء فترة طويلة من حياة بليدة عندها، على العكس من الإنسان الذي لا تتعلق حركته بدرجة الحرارة . وجد أيضًا أن الخنافس الذهبية ، والتي يسيل ضمنها لمف دموي عوضًا عن خضاب الدم ، يكون اللمف الدموي لديها بلون أخضر عند الإناث بسبب امتصاصها لجزيئات الكلوروفيل ، بينما تقوم أمعاء الذكور بتخريب الكلوروفيل فيكون اللمف الدموي عندهم أصفر باهتًا . الحيوانات الأخرى ذات الدم الأزرق بسبب ذرات النحاس عوضًا عن الحديد في خضاب الدم ، تكون عندها فقط العضلات محتوية على الهيموغلوبين أو الخضاب ، لأنها الأعضاء ذات الأكسدة الأكبر والأكثر اكزوترمية أو إطلاقًا للحرارة .
للطيور مثلاً دم أكثر حرارة من الإنسان ، ولكن هذا لا يشكل أهمية أمام درجة استقرار هذه الحرارة ، فالإنسان توصل إلى أعلى درجات التحكم بدرجة حرارته ، وأعلى درجات الاستقلال والوعي ؛ وتظاهرت مسيرة التطور كما لو أن الطاقة الممتصة من الشمس عبر النبات مرت عبر حيوانات عديدة لتصل وتتركز في الإنسان ، وهنا يصبح الإنسان الكائن الحامل للطاقة ، الحامل للنور، الملاك الذي المتحدى لإرادة الغير ، شيطان الزهو والكبرياء .
يحمل النمو والتكاثر اللون الأخضر، أما الحركة واستهلاك الطاقة فاللون الأحمر . يوجد هذا التوازن الأخضر-الأحمر عند النبات من خلال الاستقلاب الضوئي والتنفس الذي يحدث أكثر في الليل . لكن يحدث التوقيت بشكل معاكس تمام عند الإنسان والحيوانات العليا ، إذ ما هو النوم؟ إنه عودة إلى حياة أقل استقلالاً، أقل تحكمًا، أقل حركة، وأكثر جذبًا وتجميعًا للطاقة . لقد وجد أنه في حال قطع ذنب المرموط خلال السبات الشتوي الأندوترمي ، ينمو الذنب ، وهذا لا يحدث خلال اليقظة الاكزوترمية . وفي هذا فإن حالة اليقظة والحركة المستهلكة للطاقة هي حال من الترف الشديد لا تستطيع الطبيعة تأمينه باستمرار ، ولا بد من حصول توقفات فيه من خلال العودة إلى حياة أكثر بدائية خلال النوم .
نفس الشيء ينطبق على الأزهار التي لا يوجد أي أثر لها في الحياة الأرضية البدئية . إذ خلال الأحقاب التالية ظهرت الأزهار بأشكالها وألوانها الرائعة التي بدت كبنات للضوء نفسه ، وظهر الشكل المتميّز لها والذي دلّ على الحياة الأرقى والاكزوترمية . من الملاحظ أن للزهرة درجة حرارة أعلى من بقية النبات ، وتتنفس أكثر بكثير ، وتظهر الحساسية القصوى .
الزهرة هي المظهر الأكثر إبداعًا في عالم النبات.
تتميز الأنوثة بالنموّ والتكاثر الخلوي لأن الماء والمادة هما أساساها ، بينما تتميز الذكورة بأخذها منهج تقليل الماء أو التجفّف لارتباطها بعنصر النار ، وهنا يبدأ اللون الأخضر المميز للحياة الأندوترمية الأنثوية بالاختفاء وتميل العناصر الذكرية للون الأحمر . في النبات كما في الحيوان تتميز الذكورة بالحركة ، أما الأنوثة فبالاستقرار. وحتى في النباتات الأدنى مثل الأشنيات وغيرها ، تتميز النباتات الذكرية باللون الأحمر البرتقالي ، والنباتات الأنثوية باللون الميّال للأخضر . عند السرخسيات تكون الأبواغ ذكرية في حال حصلت على الضوء الكافي والآزوت الكافي، ولكن تتحول إلى ثنائية الجنس عندما تنمو في ظروف قاتمة. في معظم النباتات والحيوانات، تتميز الأبواغ والنطاف بصغر حجمها، سرعة حركتها كونها أكثر حموضة، وشحنتها الكهربائية سلبية؛ على عكس البيوض الأكبر حجمًا، والأبطأ حركة، وذات الطبيعة الأكثر قلوية، وشحنتها الإيجابية. علينا ألا ننسى أن هذا يشابه إلى حد بعيد تركيب الذرة وتشكل الأجرام في السماء، فنواة الذرة الكبيرة حجمًا نسب
الجمعة ديسمبر 24, 2021 5:04 pm من طرف مدرسة حامل المسك للطاقه
» خمس #اسرار#الثقة _بالنفس
الجمعة ديسمبر 24, 2021 4:54 pm من طرف مدرسة حامل المسك للطاقه
» #رقمك الشمسي
السبت يونيو 20, 2020 5:02 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #اسماء الله الحسنى وفوائد
الجمعة يونيو 19, 2020 5:15 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #علاج العين والحسد لكل برج
الإثنين يونيو 15, 2020 3:58 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #الفراسة بواسطة الكتابة
الإثنين يونيو 15, 2020 3:47 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #الفراسة
السبت يونيو 06, 2020 5:22 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #رقمك وتاثيرة على حياتك
الجمعة يونيو 05, 2020 3:50 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #لصورة مشحونة لموازنة شاكرة العواطف
الجمعة مايو 29, 2020 5:29 pm من طرف المعلم حامل المسك