العقل .
العقل في اللغة : مصدر عقل يعقل ، وأصل مادته الحبس والمنع ، وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي : يحجزه عن الوقوع في الهلكة ، ولذا سمي أيضاً حجراً ، لأنه يحجره عن ارتكاب الخطأ ، وسمي كذلك : نهية ، لأنه ينهى صاحبه عن فعل ما لا يحمد .
وقال بعضهم : أنه مشتق من المعقل ، وهو الملجأ ، فكأن الإنسان يلجأ إليه في أحواله .
ويطلق العقل في الاصطلاح على معان منها :
1- الغريزة المدركة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الحيوانات ، وهذه التي يسقط بفقدها التكليف الشرعي .
2- المعارف الفطرية ، والعلوم الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء ، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء ، وأن الحادث لا بد له من محدث ونحو ذلك من العلوم الأولية الضرورية .
3- ويطلق كذلك على : إدراك المعارف النظرية ، وما يستفاد من التجارب الحسية ، ومنه جرى إطلاق العلم على العقل ، ويسمى فاقد هذا جاهلاً وأحمقاً وهو يختلف عن المعنى الأولى من جهة أنه لا يسقط التكليف .
4- ويطلق أيضاً على العمل بمقتضى العلم ، ويدل عليه نفي الكفار للعقل عن دخولهم نار الجحيم كما قال سبحانه : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ، ويسمى العقل بهذا الإطلاق : معرفة وبصيرة .
قال ابن القيم : العقل عقلان : عقل غريزي طبعي ، هو أبو العلم ومربيه ومثمره وعقل كسبي مستفاد ، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته ، فإذا اجتمعا في العبد استقام أمره ، واقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإذا فقدهما ، فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه ، وإذا فقد أحدهما أو انتقص ، انتقص صاحبه بقدر ذلك مفتاح دار السعادة 1/117.
منزلة العقل .
العقل شرط في معرفة العلوم ، وفي الأعمال وصلاحها ، وبه يكمل الدين والعمل ، ولكنه لا يمكن أن يستقل بذلك ، حيث أنه غريزة في النفس وقوة فيها مثل قوة البصر ، وحين يتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين حين يلاقي ضوء الشمس ، فإن انفرد لم يستطع إدراك ما يعجز عنه لوحده .
والمذهب الحق في الموقف من العقل هو الوسطية بين من جعله ن أصول العلم والوحي تابع له ، وبين من يذمون العقل ويرون أن الأحوال والمقامات والمواجيد لا تكون إلا مع غيابه .
وأخطأ من ظن أن دلالة الكتاب والسنة قاصرة على الأخبار المجردة من الأدلة العقلية ، وأنها موقوفة على العلم بصدق المخبر ، وما يبنى على صدقه من المعقولات المحضة .
فإن الله تعالى قد مد واثنى على ذوي العقول والألباب ، تلك العقول التي تتدبر في خلق الله ، وتجول في بديع صنعه تتلمس آثار قدرة الخالق عز وجل كما قال تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) .
وقد وردت مادة العقل في كتاب الله تسعا وخمسين مرة ، هذا بالإضافة إلى مرادفاته مثل : الألباب والحجر والأحلام ، وهكذا أفعاله كالتفكر ، والتذكر ، والتدبر ، والنظر ، والاعتبار والفقه ، والعلم ..... الخ
ولا أدل على اهتمام الإسلام به من جعله مناطاً للتكليف ، حتى عد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه ولا اعتبار لتصرفاته .
وهو ايضاً أحد الضروريات الخمس التي أمر الشرع بحفظها ورعايتها ، والتي يبنى عليها صلاح الدين والدنيا .
قال ابن تيمية : عدم العقل والتمييز لا يحمد لحال من جهة نفسه ، فليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مدح وحمد لعدم العقل والتمييز والعلم ، بل قد مدح الله العمل والعقل والفقه ونحو ذلك في غير موضع ، وذم عدم ذلك في مواضع . الاستقامة 2/157 .
ولذا فإن في الكتاب والسنة لمن تأملهما من الأدلة العقلية ما تقصر عنه عقول كثير من ارباب الفلاسفة والكلام .
قال ابن تيمية : إن ما عند النظار من أهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الإلهية ، فقد جاء في القرآن الكريم بما فيها من الحق ، وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه ، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء ، فإن خطأهم فيها كثير جدا ً ، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم ، وجهلهم أكثر من علمهم . الفتاوى 9/225 .
وقال : قد تدبرت عامة ما يذكر المتفلسفة والمتكلمة ، والدلائل العقلية فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصته الصافية عن الكدر ، وتأتي بأشياء لم يهتدوا إليها ، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها . الفتاوى 19/232 .
ولصحة النظر العقلي ثلاثة شروط كما نبه عليها أبو إسحاق الشيرازي :
الأول : أن يكون الناظر كامل الأدلة ، بأن يعرف كيفية ترتيب الأدلة بعضها على بعض .
الثاني : أن يكون النظر في دليل لا في شبهة ، ومن هاهنا أخطأ من لم يوفق لإصابة الدليل حيث كان نظره في شبهة .
الثالث : أن يستوفي الدليل بشروطه ، فيقدم ما يجب تقديمه ويؤخر ما يجب تأخيره ، ويعتبر ما يجب اعتباره ، لأنه متى لم يستوف الدليل بشروطه ، بل تعلق بطرف الدليل ، أخطأ الحكم ولم يصل إلى المقصود .
ومن هنا ندرك ما للعقل من مكانة كبيرة كمصدر ثر للمعرفة ، وما يرد من ذم لأصحاب العقول أحياناً فهو باعتبار نقصها واختلالها ، فالذم في الحقيقة واقع على نقص العقل لا العقل ذاته .
ومن عناية الإسلام بالعقل تحريمه لكل ما من شأنه أن يضعفه أو يزيله كشرب الخمر وما في حكمه ، أو يحول بينه وبين النظر في الأدلة كالتقليد الأعمى ، واتباع الهوى ، والتعصب لغير الحق ، وهكذا ابطاله للأوهام التي يتمسك بها الدهماء من الخرافات كالتشاؤم والشعوذة والكهانة ونحوها .
تسليم العقل للشرع
بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، وجعله خاتم الأنبياء ، وإمام المرسلين ، وقد أغلق الله جميع الطرق إلا الطريق الموصل إليه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يهدي لهذا الصراط المستقيم كما قال سبحانه : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه ) وقال عز وجل : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) .
فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرع النبي صلى الله عليه وسلم كما سبحانه : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) .
وقد أكمل الله به صلى الله عليه وسلم دينه فلم يحوج أمته إلى رأي غيره كما قال تعالى : ( اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . ولذا ذم الله تعالى من لم يكتف بالوحي المبين فقال : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) .
ولو كان الدين ناقصاً ما حكم الله له بالكمال ، وشهد للرسول للبلاغ كما قال سبحانه : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) .
وقد أشهد النبي صلى الله عليه وسلم ربه بتبليغ الدين في أفضل يوم كما جاء في حجة الوداع أنه قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم اشهد . رواه البخاري 2/191 ، ومسلم 3/1307 .
قال ابن القيم : وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة اكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده . اعلام الموقعين 4/276 .
ويتضح موقع العقل من الأدلة الشرعية ، ومصادر المعرفة حين ندرك ان العلوم من حيث إدراك العقل لها ثلاثة أقسام :
الأول : العلوم الضرورية الفطرية : وهي التي لا يمكن التشكيك فيها .
الثاني : العلوم النظرية المكتسبة بالنظر والاستدلال وهي نوعان :
أ : ما تمحض العقل فيه نظراً واستدلالاً كعلوم الطبيعة والطب والصناعات ... الخ .
ب : ما اشترك فيه مع أدلة الشرع .
الثالث : المعارف والعلوم الغيبية ، وهذه لا يعلمها العقل إلا بواسطة ، وحظه منها الفهم وإثبات أمكانها ، ونفي امتناعها . ينظر : الاعتصام للشاطبي 2/318 .
ولا شك أن تحكيم ما جاء به الرسول هو الذي يعصم الأمة من الزيغ والانحراف ،ولذلك امر الله تعالى بالرد إلى الكتاب والسنة عند التنازع كما قال سبحانه : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) .
وبالجملة فإن الإنسان مضطر إلى الشرع أكثر من احتياجه للطعام والشراب ، لأنه بين حركتين ، حركة يجلب بها ما ينفعه ، وحركة يدفع بها ما يضره ، والشرع هو النور الذي يبين له ما ينفعه وما يضره ، وهو نور الله في أرضه وعدله بين عباده ، وحصنه الذي من دخله كان آمنا .
لا يستقل العقل دون هداية
بالوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً
فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها
فالعقل لا يهديك قط سبيلا
فإذا عدلت عن الطريق تعمداً
فاعلم بأنك ما أردت وصولاً
كم رام قبلك ذاك من متلذذ
حيران عاش مدى الزمان جهولا
ما زالت الشبهات تغزو قلبه
حتى تشحط بينهن قتيلا ..
العقل في القران الكريم
ن له معاني كثيرة بلا شك .. فمنها :
أ. فهم الكلام: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:75] (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2] فبين أن السبب في جعله عربيا هو أن يفهمه ويعقله أولئلك المتحدثون بهذه اللغة.
ب. عدم التناقض في القول: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 65] فالذي يقول إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا كأنه يقول إن إبراهيم كان سابقا في وجوده لليهودية والنصرانية لكنه كان أيضا لا حقا لهما. وهذا كقوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا ءَابَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام: 91] هذا الكلام موجه لليهود الذين يزعمون أنهم يؤمنون بنبوة موسى؛ فكأن الآية الكريمة تقول لهم إن من التناقض أن تقولوا إن الله أنزل التوراة على موسى ثم تقولوا ما أنزل الله على بشر من شيئ.
فهم الحجج والبراهين: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الروم:28) (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يونس:16]
موافقة القول للعمل: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44] ولذلك قال النبي الصالح (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88] لكن تصحيح التناقض هذا إنما يكون بجعل العمل موافقا للقول الصحيح لا العكس. فالذم في هذه الآية منصب على نسيانهم لأنفسهم لا لأمرهم بالبر، لأن الأمر بالبر شيئ حسن، ولا يغير من حسنه كون الداعي إليه لا يلتزم به. وقد يأمر الإنسان به بإخلاص وإن لم يعمل به. فالذي يأمر أولاده بعدم التدخين أو عدم شرب الخمر مثلا، مع فعله لذلك، خير من الذي يأمرهم بالتأسي به في فعله، بل خير من الذي لا يأمرهم ولا ينهاهم.
اختيار النافع وترك الضار سواء كان ماديا أو معنويا: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنعام:32] (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: 10]
التضحية بالمصلحة القليلة العاجلة من أجل مصلحة كبيرة آجلة: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [القصص: 60] ويؤيد هذا آيات أخرى لم يرد فيها ذكر العقل، منها قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38]
استخلاص العبر الصحيحة من الحوادث: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا ءَايَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوب: 35] يشير سبحانه وتعالى هنا إلى قرى قوم لوط التي قال عنها في آية أخرى مبينا عدم إدراك الكفار لمغزاها بسبب إنكارهم للبعث (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا) [الفرقان: 40]
استخلاص العبر مما جرى في التاريخ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يوسف: 109]
فهم دلالات الآيات الكونية: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة:164] (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل:12]
حسن معاملة الناس ولا سيما الأنبياء: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [الحجرات:4]
هذه كلها مقدرات عقلية زود الله تعالى بها الناس أجمعين، فهم جميعا يقرون بها، ويرون من عدم العقل ترك الالتزام بها لكن ما كلهم يلتزم في الواقع بها. ولذلك يكفي أن تنبه من خرقها إلى أنه أتى بفعل غير عقلي كما رأينا ذلك في آيات القرآن السابقة.
لكن ينبغي أن ننبه إلى أن بيان القرآن للمسائل العقلية وإقراره لها ليس محصورا في الآيات التي ذكرت فيها كلمة العقل, فهنالك آيات تذكر فيها كلمات أخرى تشير إلى المقدرات العقلية بذلك المعنى العام الذي ذكرناه، بل إنه يبدو أن كل سؤال استنكاري في القرآن يدل على أن المسؤول عنه أمر بدهي ما ينبغي لذي عقل أن يماري فيه.
بل إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي يمكن أن يتخذها المسلم موازين عقلية. ولعل هذه هي المرادة بالمعني الثاني لمفهوم العقل، أعني كونه علوما يهتدي بها الإنسان.
العقل في اللغة : مصدر عقل يعقل ، وأصل مادته الحبس والمنع ، وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي : يحجزه عن الوقوع في الهلكة ، ولذا سمي أيضاً حجراً ، لأنه يحجره عن ارتكاب الخطأ ، وسمي كذلك : نهية ، لأنه ينهى صاحبه عن فعل ما لا يحمد .
وقال بعضهم : أنه مشتق من المعقل ، وهو الملجأ ، فكأن الإنسان يلجأ إليه في أحواله .
ويطلق العقل في الاصطلاح على معان منها :
1- الغريزة المدركة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الحيوانات ، وهذه التي يسقط بفقدها التكليف الشرعي .
2- المعارف الفطرية ، والعلوم الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء ، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء ، وأن الحادث لا بد له من محدث ونحو ذلك من العلوم الأولية الضرورية .
3- ويطلق كذلك على : إدراك المعارف النظرية ، وما يستفاد من التجارب الحسية ، ومنه جرى إطلاق العلم على العقل ، ويسمى فاقد هذا جاهلاً وأحمقاً وهو يختلف عن المعنى الأولى من جهة أنه لا يسقط التكليف .
4- ويطلق أيضاً على العمل بمقتضى العلم ، ويدل عليه نفي الكفار للعقل عن دخولهم نار الجحيم كما قال سبحانه : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ، ويسمى العقل بهذا الإطلاق : معرفة وبصيرة .
قال ابن القيم : العقل عقلان : عقل غريزي طبعي ، هو أبو العلم ومربيه ومثمره وعقل كسبي مستفاد ، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته ، فإذا اجتمعا في العبد استقام أمره ، واقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإذا فقدهما ، فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه ، وإذا فقد أحدهما أو انتقص ، انتقص صاحبه بقدر ذلك مفتاح دار السعادة 1/117.
منزلة العقل .
العقل شرط في معرفة العلوم ، وفي الأعمال وصلاحها ، وبه يكمل الدين والعمل ، ولكنه لا يمكن أن يستقل بذلك ، حيث أنه غريزة في النفس وقوة فيها مثل قوة البصر ، وحين يتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين حين يلاقي ضوء الشمس ، فإن انفرد لم يستطع إدراك ما يعجز عنه لوحده .
والمذهب الحق في الموقف من العقل هو الوسطية بين من جعله ن أصول العلم والوحي تابع له ، وبين من يذمون العقل ويرون أن الأحوال والمقامات والمواجيد لا تكون إلا مع غيابه .
وأخطأ من ظن أن دلالة الكتاب والسنة قاصرة على الأخبار المجردة من الأدلة العقلية ، وأنها موقوفة على العلم بصدق المخبر ، وما يبنى على صدقه من المعقولات المحضة .
فإن الله تعالى قد مد واثنى على ذوي العقول والألباب ، تلك العقول التي تتدبر في خلق الله ، وتجول في بديع صنعه تتلمس آثار قدرة الخالق عز وجل كما قال تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) .
وقد وردت مادة العقل في كتاب الله تسعا وخمسين مرة ، هذا بالإضافة إلى مرادفاته مثل : الألباب والحجر والأحلام ، وهكذا أفعاله كالتفكر ، والتذكر ، والتدبر ، والنظر ، والاعتبار والفقه ، والعلم ..... الخ
ولا أدل على اهتمام الإسلام به من جعله مناطاً للتكليف ، حتى عد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه ولا اعتبار لتصرفاته .
وهو ايضاً أحد الضروريات الخمس التي أمر الشرع بحفظها ورعايتها ، والتي يبنى عليها صلاح الدين والدنيا .
قال ابن تيمية : عدم العقل والتمييز لا يحمد لحال من جهة نفسه ، فليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مدح وحمد لعدم العقل والتمييز والعلم ، بل قد مدح الله العمل والعقل والفقه ونحو ذلك في غير موضع ، وذم عدم ذلك في مواضع . الاستقامة 2/157 .
ولذا فإن في الكتاب والسنة لمن تأملهما من الأدلة العقلية ما تقصر عنه عقول كثير من ارباب الفلاسفة والكلام .
قال ابن تيمية : إن ما عند النظار من أهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الإلهية ، فقد جاء في القرآن الكريم بما فيها من الحق ، وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه ، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء ، فإن خطأهم فيها كثير جدا ً ، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم ، وجهلهم أكثر من علمهم . الفتاوى 9/225 .
وقال : قد تدبرت عامة ما يذكر المتفلسفة والمتكلمة ، والدلائل العقلية فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصته الصافية عن الكدر ، وتأتي بأشياء لم يهتدوا إليها ، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها . الفتاوى 19/232 .
ولصحة النظر العقلي ثلاثة شروط كما نبه عليها أبو إسحاق الشيرازي :
الأول : أن يكون الناظر كامل الأدلة ، بأن يعرف كيفية ترتيب الأدلة بعضها على بعض .
الثاني : أن يكون النظر في دليل لا في شبهة ، ومن هاهنا أخطأ من لم يوفق لإصابة الدليل حيث كان نظره في شبهة .
الثالث : أن يستوفي الدليل بشروطه ، فيقدم ما يجب تقديمه ويؤخر ما يجب تأخيره ، ويعتبر ما يجب اعتباره ، لأنه متى لم يستوف الدليل بشروطه ، بل تعلق بطرف الدليل ، أخطأ الحكم ولم يصل إلى المقصود .
ومن هنا ندرك ما للعقل من مكانة كبيرة كمصدر ثر للمعرفة ، وما يرد من ذم لأصحاب العقول أحياناً فهو باعتبار نقصها واختلالها ، فالذم في الحقيقة واقع على نقص العقل لا العقل ذاته .
ومن عناية الإسلام بالعقل تحريمه لكل ما من شأنه أن يضعفه أو يزيله كشرب الخمر وما في حكمه ، أو يحول بينه وبين النظر في الأدلة كالتقليد الأعمى ، واتباع الهوى ، والتعصب لغير الحق ، وهكذا ابطاله للأوهام التي يتمسك بها الدهماء من الخرافات كالتشاؤم والشعوذة والكهانة ونحوها .
تسليم العقل للشرع
بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، وجعله خاتم الأنبياء ، وإمام المرسلين ، وقد أغلق الله جميع الطرق إلا الطريق الموصل إليه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يهدي لهذا الصراط المستقيم كما قال سبحانه : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه ) وقال عز وجل : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) .
فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرع النبي صلى الله عليه وسلم كما سبحانه : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) .
وقد أكمل الله به صلى الله عليه وسلم دينه فلم يحوج أمته إلى رأي غيره كما قال تعالى : ( اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . ولذا ذم الله تعالى من لم يكتف بالوحي المبين فقال : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) .
ولو كان الدين ناقصاً ما حكم الله له بالكمال ، وشهد للرسول للبلاغ كما قال سبحانه : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) .
وقد أشهد النبي صلى الله عليه وسلم ربه بتبليغ الدين في أفضل يوم كما جاء في حجة الوداع أنه قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم اشهد . رواه البخاري 2/191 ، ومسلم 3/1307 .
قال ابن القيم : وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة اكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده . اعلام الموقعين 4/276 .
ويتضح موقع العقل من الأدلة الشرعية ، ومصادر المعرفة حين ندرك ان العلوم من حيث إدراك العقل لها ثلاثة أقسام :
الأول : العلوم الضرورية الفطرية : وهي التي لا يمكن التشكيك فيها .
الثاني : العلوم النظرية المكتسبة بالنظر والاستدلال وهي نوعان :
أ : ما تمحض العقل فيه نظراً واستدلالاً كعلوم الطبيعة والطب والصناعات ... الخ .
ب : ما اشترك فيه مع أدلة الشرع .
الثالث : المعارف والعلوم الغيبية ، وهذه لا يعلمها العقل إلا بواسطة ، وحظه منها الفهم وإثبات أمكانها ، ونفي امتناعها . ينظر : الاعتصام للشاطبي 2/318 .
ولا شك أن تحكيم ما جاء به الرسول هو الذي يعصم الأمة من الزيغ والانحراف ،ولذلك امر الله تعالى بالرد إلى الكتاب والسنة عند التنازع كما قال سبحانه : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) .
وبالجملة فإن الإنسان مضطر إلى الشرع أكثر من احتياجه للطعام والشراب ، لأنه بين حركتين ، حركة يجلب بها ما ينفعه ، وحركة يدفع بها ما يضره ، والشرع هو النور الذي يبين له ما ينفعه وما يضره ، وهو نور الله في أرضه وعدله بين عباده ، وحصنه الذي من دخله كان آمنا .
لا يستقل العقل دون هداية
بالوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً
فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها
فالعقل لا يهديك قط سبيلا
فإذا عدلت عن الطريق تعمداً
فاعلم بأنك ما أردت وصولاً
كم رام قبلك ذاك من متلذذ
حيران عاش مدى الزمان جهولا
ما زالت الشبهات تغزو قلبه
حتى تشحط بينهن قتيلا ..
العقل في القران الكريم
ن له معاني كثيرة بلا شك .. فمنها :
أ. فهم الكلام: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:75] (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2] فبين أن السبب في جعله عربيا هو أن يفهمه ويعقله أولئلك المتحدثون بهذه اللغة.
ب. عدم التناقض في القول: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 65] فالذي يقول إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا كأنه يقول إن إبراهيم كان سابقا في وجوده لليهودية والنصرانية لكنه كان أيضا لا حقا لهما. وهذا كقوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا ءَابَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام: 91] هذا الكلام موجه لليهود الذين يزعمون أنهم يؤمنون بنبوة موسى؛ فكأن الآية الكريمة تقول لهم إن من التناقض أن تقولوا إن الله أنزل التوراة على موسى ثم تقولوا ما أنزل الله على بشر من شيئ.
فهم الحجج والبراهين: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الروم:28) (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يونس:16]
موافقة القول للعمل: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44] ولذلك قال النبي الصالح (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88] لكن تصحيح التناقض هذا إنما يكون بجعل العمل موافقا للقول الصحيح لا العكس. فالذم في هذه الآية منصب على نسيانهم لأنفسهم لا لأمرهم بالبر، لأن الأمر بالبر شيئ حسن، ولا يغير من حسنه كون الداعي إليه لا يلتزم به. وقد يأمر الإنسان به بإخلاص وإن لم يعمل به. فالذي يأمر أولاده بعدم التدخين أو عدم شرب الخمر مثلا، مع فعله لذلك، خير من الذي يأمرهم بالتأسي به في فعله، بل خير من الذي لا يأمرهم ولا ينهاهم.
اختيار النافع وترك الضار سواء كان ماديا أو معنويا: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنعام:32] (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: 10]
التضحية بالمصلحة القليلة العاجلة من أجل مصلحة كبيرة آجلة: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [القصص: 60] ويؤيد هذا آيات أخرى لم يرد فيها ذكر العقل، منها قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38]
استخلاص العبر الصحيحة من الحوادث: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا ءَايَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوب: 35] يشير سبحانه وتعالى هنا إلى قرى قوم لوط التي قال عنها في آية أخرى مبينا عدم إدراك الكفار لمغزاها بسبب إنكارهم للبعث (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا) [الفرقان: 40]
استخلاص العبر مما جرى في التاريخ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يوسف: 109]
فهم دلالات الآيات الكونية: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة:164] (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل:12]
حسن معاملة الناس ولا سيما الأنبياء: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [الحجرات:4]
هذه كلها مقدرات عقلية زود الله تعالى بها الناس أجمعين، فهم جميعا يقرون بها، ويرون من عدم العقل ترك الالتزام بها لكن ما كلهم يلتزم في الواقع بها. ولذلك يكفي أن تنبه من خرقها إلى أنه أتى بفعل غير عقلي كما رأينا ذلك في آيات القرآن السابقة.
لكن ينبغي أن ننبه إلى أن بيان القرآن للمسائل العقلية وإقراره لها ليس محصورا في الآيات التي ذكرت فيها كلمة العقل, فهنالك آيات تذكر فيها كلمات أخرى تشير إلى المقدرات العقلية بذلك المعنى العام الذي ذكرناه، بل إنه يبدو أن كل سؤال استنكاري في القرآن يدل على أن المسؤول عنه أمر بدهي ما ينبغي لذي عقل أن يماري فيه.
بل إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي يمكن أن يتخذها المسلم موازين عقلية. ولعل هذه هي المرادة بالمعني الثاني لمفهوم العقل، أعني كونه علوما يهتدي بها الإنسان.
الجمعة ديسمبر 24, 2021 5:04 pm من طرف مدرسة حامل المسك للطاقه
» خمس #اسرار#الثقة _بالنفس
الجمعة ديسمبر 24, 2021 4:54 pm من طرف مدرسة حامل المسك للطاقه
» #رقمك الشمسي
السبت يونيو 20, 2020 5:02 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #اسماء الله الحسنى وفوائد
الجمعة يونيو 19, 2020 5:15 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #علاج العين والحسد لكل برج
الإثنين يونيو 15, 2020 3:58 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #الفراسة بواسطة الكتابة
الإثنين يونيو 15, 2020 3:47 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #الفراسة
السبت يونيو 06, 2020 5:22 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #رقمك وتاثيرة على حياتك
الجمعة يونيو 05, 2020 3:50 pm من طرف المعلم حامل المسك
» #لصورة مشحونة لموازنة شاكرة العواطف
الجمعة مايو 29, 2020 5:29 pm من طرف المعلم حامل المسك